أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يناير السنة 2011
مواهب الروح القدس - دراسات عن الروح القدس
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

مواهب الروح القدس            تحدثنا في العدد السابق عن مواهب الروح القدس كما وردت في أفسس 4، ونواصل حديثنا عن مواهب الروح القدس كما وردت في باقي أجزاء الوحي

المواهب في رومية 12

لنتحول الآن إلى رومية 12، ليس لأسهب في الحديث فيه، ولكن لكي تعرفوا كيف يُشار إلى المواهب، كمَن هي تخص الجسد كله

«فإنه كما في جسد واحد لنا أعضاء كثيرة، ولكن ليس جميع الأعضاء لها عمل واحد: هكذا نحن الكثيرين جسد واحد في المسيح، وأعضاء بعضًا لبعض كل واحد للآخرولكن لنا مواهب مختلفة بحسب النعمة المُعطاة لنا، أ نبوة فبالنسبة إلى الإيمانأم خدمة ففي الخدمةأم المعلم ففي التعليم» (رو12: 4- 7). 

هنا نجد تعليمات بسيطة جدًا ومتميزة لأولئك الذين لهم أية موهبة من الرب لعمل خاصعليهم أن يستخدموها «بحسب قياس الإيمان» أو «كما من الرب» الذي هو مصدر المواهب «كما قسم الله لكل واحد مقدارًا من الإيمان» (رو12: 3).

المواهب في كورنثوس الأولى

ثم ننتقل أيضًا إلى الرسالة الأولى إلى كنيسة كورنثوسإن الرسالتين إلى كورنثوس جديرتان بالاعتبار، من جهة أن الذين قبلوا المواهب هم الجماعة الوحيدة في العهد الجديد، التي تُخاطب بـ«كنيسة الله». إن كِلتا الرسالتين الأولى والثانية معنونة «إلى كنيسة الله التي في كورنثوس». إن الموضوع يتعلق بكل ما يخص الترتيب في الكنيسة على الأرض

وفي الرسالة الأولى نأتي بطريقة متميزة إلى الكنيسة، حيث نجد هناك قدرًا واسعًا من التعليم من جهة الكنيسة أو الجماعة، وطريقة سلوكهاوفي الحقيقة أن هذا هو هدف الرسالةإن ما نجده في رسالة كورنثوس الأولى هو الكنيسة في وظيفتها هنا على الأرضوهناك نجد أنها قد مُنِحَت من الرب كل ما تحتاجه لإتمام هذا الغرضلقد وهب المسيح الكنيسة، كل ما تحتاجه في سيرها على الأرض

وفي الأصحاحات الثاني عشر، والثالث عشر، والرابع عشر، نجد تعاليم عميقة ومفصَّلة عن المواهب الروحية، وأيضًا عن الكنيسةوأعتقد أن الأصحاحات الثلاثة يجب أن تؤخذ معًا لكي نتعلم المعنى الصحيح لهاوفي فصل آخر من الكتاب نقرأ أن «الله لم يُعطنا روح الفشل، بل روح القوة، والمحبة، والنُصح» (2تي1: 7). وأنا أعتقد أن هذه الصفات المُميزة الثلاث: القوة، والمحبة، والنُصح، هي تمامًا ما تكشفه وتوضحه الأصحاحات الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر من الرسالة الأولى إلى كنيسة كورنثوس

ففي الأصحاح الثاني عشر نجد روح القوة، حيث الروح القدس كالقوة العاملة في الجماعة «قاسمًا لكل واحد بمفرده كما يشاء» (1كو12: 11). 

وفي الأصحاح الثالث عشر نجد روح المحبة.

وفي الأصحاح الرابع عشر نجد روح النُصحإن كل شيء هناك يجب أن يكون للفائدة.

والأصحاح الثاني عشر يقدِّم بتفصيل أكثر الأعمال والإظهارات المختلفة للروح القدس في أعضاء مختلفة من الجسدهناك نتعلم أيضًا، أنه مهما كانت عظيمة الموهبة الروحية، فهي بلا قيمة حقيقية ما لم تكن قد مورست بالأسلوب أو بالروح الذي يحكم الأصحاح الثالث عشروما هو ذلك الروح؟ المحبة! وماذا تفعل المحبة؟ إنها لا تفكر في نفسها إطلاقًافالمحبة تفكر دائمًا في الآخرينوقد علَّم الرسول بولس هؤلاء الكورنثيين هذا الدرسلقد كانوا فخورين بمواهبهمكانوا يُشبهون أطفالاً معهم لعب كثيرة جديدة، يرغبون في أن يُظهروها ليجذبوا الأنظار لهالقد تكلموا بألسنة متنوعة، وقد فعلوا ذلك، رغم أنه لم يكن هناك مَن يفهم ما يتكلمون به

والرسول يصحح مفاهيمهم وسلوكهم «فما هو إذًا أيها الإخوة؟ متى اجتمعتم، فكل واحد منكم له مزمور، له تعليم، له لسان، له إعلان، له ترجمةفليكن كل شيء للبُنيان» (1كو14: 26). لقد كانوا جميعًا مشغولين، وعلى ما يظهر مصممين أن يُظهِروا الموهبة التي اعتقدوا أنهم يمتلكونهاوقد صحح الرسول مفهومهم بأبسط طريقة.

يعوزني الوقت لأتعامل باستفاضة مع الأصحاح الثاني عشر، لكن يمكنني أن أقول إنه وصف للإظهارات الروحية المتنوعة التي توجد في الكنيسةوهي كلها تفيض من الروح القدس للشهادة للمسيح كمصدرها ونبعهاففي الآية 4 نقرأ «فأنواع مواهب موجودة ولكن الروح واحدوأنواع خِدَمْ موجودة ولكن الرب واحدوأنواع أعمال موجودة ولكن الله واحد الذي يعمل الكل في الكلولكنه لكل واحد يُعطَى إظهار الروح للمنفعة» (1كو12: 4- 7). تلك هي الفكرة الأساسية في الأصحاحات الثلاثة: «للمنفعة». 

وفي سياق الحديث أقول إن هذا العدد قد حُرِفَ معناه بصورة مُضِرة وخبيثةفبناءً على تفسيره الخاطئ انتشرت الفكرة بأن كل إنسان، يهودي، أو تركي، أو كافر، أو مؤمن، أو غير مؤمن، الجميع سواسية، لهم الروح القدسوإنني سوف لا أجرح مشاعر أي واحد في أن أذكر أنإحدى الجمعياتتعتبر أن كل إنسان له الروح القدس في داخلهوهم يسمونه بأسماء متنوعةنور داخلي“ ”نور إلهيأوشعاع من الحكمة الأزلية“. لكنها كلها أسماء يقصدون بها الروح القدسوهم يعتقدون أن لهم السَنَد والدعامة لنظريتهم في هذا العدد «ولكنه لكل واحد يُعطَى إظهار الروح للمنفعة». لكن من الواضح أن الأمر لا يتعلق بأي إنسان هناإنه في وسط الكنيسة، حيث نجد قديسي الله، جميعهم يمتلكون عطية الروح، والبعض منهم له مواهب مختلفة لأجل الخدمة بالروحوما الغرض من هذه الإظهارات الروحية؟ ليس لأي استعمال شخصي لأي واحد، لكن لأجل منفعة الآخرينذلك هو بيت القصيد، وحينما تأتون إلى الأصحاح الرابع عشر تجدون تعليمًا نافعًا للجماعة.

وهكذا نجد أن البُنيان هو الفكرة الأساسية في كل هذه الأصحاحات، حيث روح الله هو مصدر ونبع هذه المواهب المتنوعة «فإنه لواحد يعطى بالروح كلام حكمةولآخر كلام عِلم بحسب الروح الواحدولآخر إيمان بالروح الواحدولآخر مواهب شفاء بالروح الواحد...» «ولكن هذه كلها يعملها الروح الواحد بعينه قاسمًا لكل واحد بمفرده كما يشاء» (1كو12: 8-11). إنه الروح القدس الذي يعمل لله، وهو أيضًا المصدر والنبع لهذه الإظهارات المتنوعة في الكنيسة

وفي ختام الأصحاح يقول الرسول «فوضع الله أُناسًا في الكنيسة أولاً رسلاً، ثانيًا أنبياء، ثالثًا معلمين، ثم قوات (معجزات) وبعد ذلك مواهب شفاء، أعوانًا، تدابير، وأنواع ألسنة» (ع28). ولماذا وضعهم في هذا الترتيب الطبيعي؟ السبب أن الكورنثيين كانوا منتفخين كثيرًا بالقوة التي امتلكوها بكونهم قادرين على التكلم بألسنة غير معروفة، كانوا منتفخين بامتلاك هذه الموهبة التي ستنتهي، مما جعل الرسول يكشف عن أهميتها النسبيةوأين وضع هذه الموهبة ـ موهبة التكلم بألسنة؟ في الآخرلقد وضعوها هم في الأول، أما هو فوضعها في الآخر. «والألسنة فستنتهي» (1كو13: 8). إن القيمة الوحيدة للألسنة هي أن تكون آية لأولئك الذين من خارج وليس داخل الجماعة، كما يقول في الأصحاح الرابع عشر «إذًا الألسنة آية لا للمؤمنين، بل لغير المؤمنين» (1كو14: 22).

كانت موهبة الألسنة، كما سبق وذكرت، تعني أن الله يدق الجرس لسكان الأرض حتى يمكنهم أن يسمعوا عن ابنه يسوعكانت موهبة الألسنة آية ثمينة، وكانت لائقة ومناسبة إذا كان الحاضرون الذين يعرفون اللغة قادرين أن يترجمواأما إذا لم يتوفر ذلك، فإن الألسنة كانت عديمة النفع، وكان على مَن يمتلكها أن يصمتلكن، مع ذلك، كان عليهم أن يجدِّوا للمواهب الحُسنى. «وأيضًا أُريكم طريقًا أفضل» وما هو ذلك الطريق؟ بكل تأكيد المحبةإنها دائمًا تسعى لخير الآخرين «اتبعوا المحبة، ولكن جدّوا للمواهب الروحية وبالأولى أن تتنبأوالأن مَن يتكلم بلسان لا يكلم الناس بل الله، لأن ليس أحد يسمع (أو يفهم). ولكنه بالروح يتكلم بأسراروأما مَن يتنبأ فيكلم الناس ببنيان، ووعظ، وتسلية (أو تعزية)» (1كو14: 1- 3). 

لم يكن التنبؤ فقط كشف حوادث مستقبلة، لكنه يُحضر الضمير إلى نور محضر الله، وكان «للبنيان، والوعظ، والتسلية (أو التعزية)». كم يختلف هذا عن مجرد التكلم بما لا يستطيع أحد أن يستفيد منهوفي الأصحاح الرابع عشر يقول الرسول بولس «أشكر إلهي أني أتكلم بألسنة أكثر من جميعكم! ولكن في كنيسة أريد أن أتكلم خمس كلمات بذهني، لكي أعلِّم آخرين أيضًا، أكثر من عشرة آلاف كلمة بلسان» (1كو14: 18، 19). 

وهكذا نجد أن الحق كان يعمل بصورة عملية في قلبه شخصيًاكان الشيء الوحيد الذي فكَّر فيه في الكنيسة هو فائدة الآخرين.

(يتبع)

و. ت. ب. ولستون
و. ت. ب. ولستون