«وَفِي الصُّبْحِ بَاكِرًا جِدًّا
قَامَ وَخَرَجَ وَمَضَى إِلَى مَوْضِعٍ خَلاَءٍ،
وَكَانَ يُصَلِّي هُنَاكَ» (مر١: ٣٥)
مؤخرًا نلت دفعة هائلة إذ قرأت الأصحاح الأول من إنجيل مرقس. وعندما وصلت إلى الآية ٣٥، توقفت وشكرت الله لأنه أنارني كما بشعاع نور من السماء، وقادني لأدرك مقدار تقصيري إذ لا أستيقظ باكرًا جدًا لأجل الرب. فمشاغلي تبدأ مع لحظة إدراكي الأولى بعد اليقظة. أما الرب فقام قبل الجميع، وكان دائمًا يعمل لأجلهم. إنه قدوة لهم ولي. وبرفقته نجد النعمة الكامنة لتحملنا خلال المشاكل، وقتما وحيثما حلت.
والعبارة المُقتبسة في رأس الكلام هي آية جميلة، فقد كانت ثمة مدن كثيرة تنتظر زيارة الرب، حيث الكثير من الخدمة ليعملها، وحيث الكثير من الأعواز ليسدها، والكثير من الأدواء ليداويها. كان بؤس الجموع يحدق به مع بزوغ النهار، ولكن ما كان ممكنًا أن يُفاجأ أو يرتبك، ذلك لأنه قام قبل الجميع، وحصل على الإعداد الكافي لمقابلة كل واحد. وهكذا كان يتزود بمدد كل يوم لأعواز يومه. لقد رأى كل هذه الاحتياجات في وقت شركته مع أبيه؛ حالة كل فرد مرت أمامه، وكانت موضوع شفاعته في موضع الخلاء هذا الذي قصده للصلاة.
ويُذكرنا إشعياء ٥٠: ٤ بقوة مباركة بهذه النقطة «أَعْطَانِي السَّيِّدُ الرَّبُّ لِسَانَ الْمُتَعَلِّمِينَ (التلاميذ) لأَعْرِفَ أَنْ أُغِيثَ الْمُعْيِيَ بِكَلِمَةٍ. يُوقِظُ كُلَّ صَبَاحٍ، يُوقِظُ لِي أُذُنًا لأَسْمَعَ كَالْمُتَعَلِّمِينَ». يا له من وصف رائع لحياة وخدمة ربنا المبارك على الأرض! ولكنها ليست أقل روعة من حياته الآن في المجد حيث يشفع لنا. والشفاعة هي شركة؛ هي شركة بين الشفيع والله الذي يتشفع لديه بخصوص أغراض شفاعته (انظر تكوين ١٨: ٣٣). والشفاعة تُعمل وتُقبل قبل أن تثور الحالة بحدتها وقوتها. قال الرب لبطرس وهو غير واعٍ: «وَلَكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ لاَ يَفْنَى إِيمَانُكَ» (لو٢٢: ٣٢). وسرعان ما نام بطرس كما لو لم يكن ثمة حاجة لديه للصلاة.
وما أعظم التشجيع الذي نجنيه عندما نتفكر في اتضاعه أثناء حياة خدمته على الأرض، مُسلمًا نفسه لأجلنا، لأنه في هذه الخدمة أظهر نفسه. وهو هو لم يتغيّر، وجاهزيته لتسديد كل احتياج الآن مثلما كانت يومها. والنعمة ذاتها هي هي غير متغيّرة. فإذا كان الآلاف من قديسي الله المُثقلين بالأحمال والأنين وحمل الهموم وما أشبه مما يكتم نور الله فيهم، فكم نود أن ينهضوا ويحيوا، وأن يرفعوا رؤوسهم بانتصار، ليُغنوا بدلاً من أن يئنوا. ولن يتأتى ذلك إلا بإدراك هذه الحقيقة العظيمة؛ لقد نهض الرب قبل أن تقوم أعوازهم، وعلِم بها قبل أن تثور لتربكهم وتُحيّرهم أثناء النهار. لا ينبغي أن يكون ذلك محض مادة إيمانهم الذي يقبلون به على مضض، بل هو اقتناع عميق في أغوار النفس، والذي يدفعهم بدوره إلى طرح كل أثقال اليوم في باكورته على الرب، وأن يلقوا بهمهم عليه.
ولا يُساورني أدنى شك بأنني ألتزم الصواب هنا، عندما أحضكم على اتباع هذه الحقيقة العظيمة، المباركة، المُشجعة، المُسالمة. قرائي الأعزاء: احتياجاتكم غير خافية عن الرب. إنها قد تدهشكم ولكنها أبدًا لا تفاجئه. إنني أنادي لكم بالمسح كلي الكفاية؛ مستعد، وقادر، وراغب في معونتكم. إنه يقوم في الصبح باكرًا جدًا، قبل أن تبدأ تواجهكم متاعب النهار. إنني أحث كل قارئ أن يقرأ هذه الكلمات لنفسه، دون تطبيقها على آخر؛ يقرأها كما هي رسالة شخصية خاصة موجهة له وحده دون غيره، وليقل لنفسه: “هذا الحِمل الذي نما وثقل وضغط على كاهلي، كان معروفًا لدى الرب قبل أن أشعر بوجوده، ولقد نهض الرب قبله. ولئن كان لن يزيله، فهو يحملني عبر الظرف الصعب لأجتازه. وإنني أتوجه إليه – له كل المجد – وأطرح عند قدميه كل ما يُثقل منكبيَّ، لأنني – أنا وثقلي – غرض اهتمامه العميق الشخصي والخاص.
إنه لأمر عجيب أن ندنو قربًا إليه، وبين جوانحنا هذا الفهم: إنه قبل أن أستيقظ في الصباح، فقد سبقني الرب، وكنت موضوع مشغوليته؛ كان يُفكر فيَّ، وينتظر صيحة استيقاظي بكل لهفة. إن هذا ليملأ النفس بالرهبة، وبالعرفان والشكر. أما الرهبة فلأجل ما هو عليه، أما العرفان فلأجل كل ما هو لأجلي.
هل هذه نظرة أنانية إلى الأشياء؟ فقط إذا نظرنا إلى الأمور من هذه الوجهة، سنتقدم على طريق الخلاص من الأنا والأنانية. فالرب هو الذي يُخلّص؛ النعمة التي فيه، والتي تنهمر من علو مجده إلى أعماق أعوازنا، فيها كل الكفاية. إنه هو نفسه وكفايته الفائقة، التي ترفعنا من أنانيتنا، وتُطلقنا أحرارًا لِنُسبِحه، ولنعيش حياتنا يومًا فيومًا دون تذمر أو شكوى.
ج. ت. ماسون