رقد أحد أصدقائي في جامايكا بعد صراع طويل مع المرض، ولدرايتي بمدى معاناة كل أفراد أسرته بسبب مرضه، كنت أتساءل لماذا مرض كل هذه الفترة الطويلة، ولماذا لم يشفه الرب؟ لماذا يتجرع مَنْ خَلُص بدم المسيح ألمًا مثل هذا؟
قال لي بعض المؤمنين الأصدقاء إنَّ تلك المعاناة ليست ضرورية، وما علينا إلا أن ندعو بالشفاء الخاص بنا كأولاد الله. ودعني أقتبس لك بعض مما كتبوا لي بهذا الصدد:
“إن الأخبار السارة الكاملة هي أن الرب يسوع قد تمم شفاءك على الصليب، عندما أخذ مكانك ومات عن خطاياك، فجعل شفاءك متاحًا، وكذلك صحتك وعتقك، وحريتك ونصرتك، وكل احتياجاتك، وما علينا سوى أن نتعلم كيف ننالها بالإيمان، كما نلنا خلاصنا الأبدي بالإيمان. إنها متاحة لنا، وهى من حقنا إن كنا نؤمن ونقبل كفارة الرب يسوع عن خطايانا على الصليب”.
ألا يبدو هذا جذابًا ومنطقيًا؟ وبما أن الله كلي القدرة ألا يستطيع أن يعتقنا من كل معاناتنا؟ وطالما أنه كلي المحبة ألا يفعل ذلك؟ ألم يمت المسيح لكي يُنقذنا من كل مرض وفقر وجهالة؟
لي صديق آخر يؤمن بهذا الفكر بكل قلبه، وعندما أُصيب بمرض السرطان، وكانت حالته خطيرة ادّعى شفاءه، إذ كان مقتنعًا أن الله لا بد أن يشفيه، وإلاَّ كان غير أمين، لكن الله لم يفعل! عندئذ ملأت الشكوك المحيرة عقله وابتدأ يتساءل “هل يمكن حقًا الثقة في الله؟”
هناك الكثير ممن يتصارعون مع هذه الأسئلة الهامة، وهم بذلك يمسون ذات جوهر صفات الله: أمانته وقدرته ومحبته وإرادته وسلطانه. هل حقًا يعلمنا الكتاب المقدس أننا لسنا بحاجة إلى الضيق أو المرض أو الفقر؟ هل علينا أن نعتبر الله آلة البيع الكونية الكبيرة التي لا بد أن تمدنا بالبضاعة المرغوبة: الشفاء، التحرير، الأمان، الحرية، التقدم ... إلخ، عندما نُعطيها عملة “الإيمان” الصحيحة، مطالبين إياه بحقوقنا؟
وتمامًا كما يتحول الناس عن ماكينة البيع المُعطَّلة، كذلك تحولت الجموع المُضَلَّلة عن الله، لأن معرفتهم له كانت مؤسسة على تلك الفكرة التافهة، لذلك امتلأت الطرق السريعة وكذلك الطرق الجانبية - التي للمسيحية الاسمية - من حطام أولئك الذين تحولوا عن الله الحي الحقيقي بسبب تلك الإدعاءات الكاذبة.
بلا شك يستطيع الرب أن يشفي كل مريض إن كان ذلك قصده. ويُعلّمنا الوحي أنه – تبارك اسمه - مُطلْق القوة لكنه ليس محدودًا بإدراكنا الضعيف عنه، ولا حتى بسعتنا لاستمداد القوة منه. إنه يعمل حسب خطته بما هو الأفضل لكل منا وبما يؤول لمجده، وبالتالي فهو لا يُعطى نفس قياس الصحة البدنية والحرية لكل واحد فينا، ولا يُعطيها بحسب طاعتنا وإيماننا.
ليس من دليل في أعمال 12 على أن إيمان بطرس كان أقوى من إيمان يعقوب، إلا أن الله سمح ليعقوب أن يُقتل في حين تحرر بطرس من سجنه بطريقة معجزية. لقد كان بولس رجلاً مُمتلئًا إيمانًا إلا أن حياته كانت مُفعمة بالمعاناة من كل نوع (2كو11: 23–30)، كما وكان استفانوس ممتلئًا من الروح القدس، لكن قتله العامة الحانقون بوحشية مطلقة (أع7: 54-59).
إن الخلاص الكامل المجاني الذي نناله بإيماننا بالإنجيل، لا يعدنا بالحصانة ضد الأمراض والحزن والفقر، لكنه يُمكننا بحق أن نقترب إلى نعمة الله عندما نكون في تلك الظروف الصعبة، لنجدها دائمًا أكثر من كافية لنا، ونحن لم نزل نحيا في خليقة تئن وتعانى من آثار الخطية (2كو12: 9).
إن عتقنا التام من المعاناة والموت ينتظر مجيء المسيح، حيث سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده، حينئذ لن نكون جزءًا من هذه الخليقة التي تئن وتتمخض إلى الآن، بل «حِينَئِذٍ تَصِيرُ الْكَلِمَةُ الْمَكْتُوبَةُ: ابْتُلِعَ الْمَوْتُ إِلَى غَلَبَةٍ» (1تس4: 16؛ فى3: 21؛ رو8: 22؛ 1كو15: 54)، وإلى ذلك الحين نحن بحاجة إلى عون لكي نعيش لله وسط المعاناة.
لقد قال بولس: «أَنَّهُ بِضِيقَاتٍ كَثِيرَةٍ يَنْبَغِي أَنْ نَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ» لكنه قال أيضًا: «لِذَلِكَ لاَ نَفْشَلُ. بَلْ وَإِنْ كَانَ إِنْسَانُنَا الْخَارِجُ يَفْنَى، فَالدَّاخِلُ يَتَجَدَّدُ يَوْمًا فَيَوْمًا» (أع14: 22؛ 2كو4: 16).
جرانت