إن موضوعنا هو القراءات الأربعة من الرسالة إلى العبرانيين، والمُشار إليه في صدر المقالة (عب ١: ٣، ١٣؛ ٨: ١، ٢؛ ١٠: ١١-١٤؛ ١٢: ١، ٢)، لكنى ألفت الانتباه إلى قراءات العهد القديم كمقدمة لها.
اليد اليمين:
إن هذا الحدث المؤثر يجتذب القلب ويحرك أعمق المشاعر. كانت الأم تقاسى آلام المخاض، والقابلة تبشرها بولد آخر: «لاَ تَخَافِي، لأَنَّ هَذَا أَيْضًا ابْنٌ لَكِ» (تك ٣٥: ١٧)، لكنها ماتت وهي تلد ذلك الابن، بالرغم من أنها عاشت طويلًا لتراه ولتُسميه. لقد أطلقت عليه اسمًا مرتبطًا بالحالة التى كانت عليها «دَعَتِ اسْمَهُ: بِنْ أُونِي»، أي “ابن حزني”. كان لراحيل مكان بارز فى الخط الإلهي. وكان ليعقوب مكانه، مكان مفتاحي، كما يقال، فى طرق الله، لأن الله هو “إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب”، وكانت راحيل شخصية أساسية ومحورية جدًا فى ترتيب الله لتتميم مقاصده. لقد دعت ابنها: «بِنْ أُونِي»، كأنها تنظر بعين الإيمان فى دهاليز التاريخ، لترى ذلك الشخص المبارك الذي كتب عنه إشعياء: «رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحُزْنِ». أما يعقوب، عندما أعاد تسمية ابنه، فقد نظر إلى صفحة التاريخ بعين الإيمان ليشير إلى مسيح الله، ليس بالارتباط بكل ما يمكن للإنسان الساقط الخاطئ أن يُكيل له، بل في ضوء قصد الله ودعوته. هى قالت: «بِنْ أُونِي»، أي “ابن حزني”. أما يعقوب فقال: “لا نفع من هذا، ليكن اسمه “بِنْيَامِينَ”، أي “ابن اليد اليمين”. فنرى، مبكرًا جدًا، على صفحات التاريخ المقدس، أن هذين الأمرين مختومان بالصبغة الإلهية: مسار آلام مسيح الله، ومسار النصر والمجد المُلزم أن يتبعه.
تسمو خروج ١٥: ٦ بالارتباط بسياق النص، وتعطينا فكرة عما هو مرتبط بدلالة “اليد اليمين“؛ «يَمِينُكَ ... مُعْتَزَّةٌ بِالْقُدْرَةِ»؛ فالقدرة المجيدة مرتبطة بيمين الله. واليمين المعتزة بالقدرة ستحقق مشيئة الله، وتحطم كل قوة مضادة، كما فعلت تاريخيًا مع فرعون وجنوده. وعندما تتحقق مشيئة الله، ويُقمع كل شر، حينئذ تتأسس وتتوطد حكومة الله البارة، فى ابن اليد اليمين.
«لِتَكُنْ يَدُكَ عَلَى رَجُلِ يَمِينِكَ» (مز ٨٠: ١٧) ... إن يد الله موضوعه عليه. ويقول مزمور ٨٩: ١٩ «جَعَلْتُ عَوْنًا عَلَى قَوِيٍّ». إن “قَوِيّ” مزمور ٨٩ هو رجل اليد اليمين فى مزمور ٨٠. لله رجل يُمكنه أن يضع عليه يده، وطالما وضع عليه يده، فهذا يعنى أنه يُوكل إليه كل شيء، لمجده. لا شك في مَن هو هذا الرجل؛ «اَلآبُ يُحِبُّ الاِبْنَ وَقَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي يَدِهِ» (يو ٣: ٣٥). هناك واحد أمامه يُمكنه أن يضع يده عليه، وإذ يفعل ذلك فإنه يُعطيه كل شيء، لمجد الله. إن يده على رجل يده اليمين، على ابن الإنسان الذي قواه لنفسه.
ويبدأ مزمور ١١٠ بدون مقدمات: «قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ». إن الرب هو اسم الله الشخصي، يهوه، وأما «رَبِّي» فتعنى “سَيِّدي”. إذًا هناك شخصان. إله إسرائيل يخاطب الملك المسيانى «اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي».
من الواضح أنه لم يكن عن اليمين وقت المحادثة. فهذا المزمور نبوي. وهو ما يقوله الرب يسوع في متى ٢٢. فرعاة إسرائيل، الذين أقاموا أنفسهم، كلهم تعدوا على ابن الله. كان الهيرودسيون هم الفصيل السياسي فى إسرائيل، والصدوقيون هم العلمانيون، وكان الفريسيون هم الطقسيين. فاجتمع السياسيون والعلمانيون والطقسيون معًا، ليُكوّنوا حركة عالمية ضد حق الله الصِّرف، المُقدَّم فى شخص ابن الله. فكانوا يسألونه أسئلة بغرض اصطياده، لكنه لم يكن ليُصاد، بل سألهم سؤال: «مَاذَا تَظُنُّونَ فِي الْمَسِيحِ؟ ابْنُ مَنْ هُوَ؟». وهذا السؤال وضعهم أمام معضلة: «قَالُوا لَهُ: ﭐبْنُ دَاوُدَ. قَالَ لَهُمْ: فَكَيْفَ يَدْعُوهُ دَاوُدُ بِالرُّوحِ رَبًّا؟ قَائِلاً: قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ؟ ... وَمِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَمْ يَجْسُرْ أَحَدٌ أَنْ يَسْأَلَهُ بَتَّةً» (مت ٢٢: ٤١-٤٦).
لقد أعطانا الرب تأكيدًا لنرى أن مزمور ١١٠ ينطبق تمامًا على شخصه، وأنه شهادة لمجد هذا الشخص المبارك الذي اهانه الناس. لقد احتقروه، وازدروا به، وعاملوه بطريقة مشينة. أما المُرنِّم، الذي تكلَّم بروح المسيح، فقد كرَّمه ومجَّده، لكن فيما عدا ما قاله الروح النبوي فى باقي مزمور ١١٠، فهذا الجزء من المزمور قد تم بالفعل «اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي». إنه هناك اليوم «حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ». ونحن نعيش فى فترة «حَتَّى». لقد وقعت قرعتنا فى تلك الكلمة التى فى مزمور ١١٠: «حَتَّى». وكلمة «اجْلِسْ» لا تعنى توقفه عن النشاط، بل تعنى الرفعة، والمجد والكرامة له. ويقول لنا عبرانيين ٢ «عَلَى أَنَّنَا الآنَ لَسْنَا نَرَى الْكُلَّ بَعْدُ مُخْضَعًا لَهُ». لكن هناك شيء نراه: «الَّذِي وُضِعَ قَلِيلاً عَنِ الْمَلاَئِكَةِ، يَسُوعَ، نَرَاهُ مُكَلَّلاً بِالْمَجْدِ وَالْكَرَامَةِ». هذا هو مكانه وحاله اليوم، ومن لنا علاقة به فى الفترة التى تغطيها كلمة «حَتَّى».
إن ربنا يشغل اليوم، مركز الانتظار، وإن كان هذا الانتظار على وشك نهايته، فمجد الملكوت الآتي الذي لبنيامين، رجل اليد اليمين، يقترب سريعًا. وكم تكون نهاية «حَتَّى» أقرب إلى الحد الذي يشغلنا، نحن المؤمنون بالرب يسوع المسيح اليوم. وبكلمات أخرى، كم يكون الاختطاف أقرب؛ تلك اللحظة المباركة التى ينزل فيها إلى الهواء، بهتاف. حينئذ يترك كل مؤمن بالرب يسوع المسيح، هذا العالم، ليُصاحبه فى قدومه بمجد الملكوت. إنه آتٍ إلينا حتى يأتى بنا معه. نشكر الله من أجل معرفتنا به الآن فى فترة «حَتَّى»، فنحن نعرفه كما تُصوّره العبرانيين فى الأعداد موضوع تأملنا الآن.
وبالاقتراب من المقاطع الأربعة المذكورة فى الرسالة إلى العبرانيين أشعر بضآلتي فى الحديث عنه. إنه عظيم جدًا، ومجيد جدًا، حتى أنه أسمى من الوصف البشرى. فلا يهم كم نعرف عنه، لأنه مُتقدِّم دائمًا عنا. ورسول الأمم العظيم كان دائم القول إن ثمة شيء عنه يتوق أن يصل إليه؛ «لأَعْرِفَهُ» (في ٣: ١٠). كان هذا هو أقصى طموح مشاعره وحياته.
إنه هناك بفضل استحقاقات ومجد شخصه (عب ١: ٣):
إن مجد شخص الابن يُدلِّل عليه المكان المُمجَّد الذي يشغله الآن، عن يمين الله، في العظمة في الأعالي. يقول النص في عبرانيين ١: ٣ «جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي». وواحد من أوجه مجد ربنا يسوع المسيح الابن، هو أنه «صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيرًا لِخَطَايَانَا». هل تقول إن غفران الخطايا أمر مبدئي؟ هل تعلم أنه تطلب شخص كهذا أن يتمّمه؟ والأصحاح الخامس من سفر الرؤيا يُخبرنا أنهم - فى المجد - سيرنمون ترنيمة جديدة، والفكرة الرئيسية في هذه الترنيمة الجديدة، هي: «لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَاشْتَرَيْتَنَا لِلَّهِ بِدَمِكَ». بالتأكيد يُغطى هذا غفران الخطايا. فهو الواحد والوحيد الذي استطاع بل وقد تعامل مع خطايانا. وإذ قد «صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيرًا لِخَطَايَانَا»، فقد «جَلَسَ (أَجلَسَ نفسه) فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي». إنه هناك اليوم إنه هناك بفضل استحقاقات ومجد شخصه؛ لأجل مَن هو فى ذاته. وكل جزء من هذه الأعداد تظهر عظمته ومجده. وأحد أوجه عظمته ومجده أنه قد «صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيرًا لِخَطَايَانَا».
إنه هناك بفضل تفوقه وتفرده وتميّزه (عب ١: ١٣):
بكل بساطة أقول من جهة كونه عن اليمين (عب ١: ١٣)، إنه هناك متفوقًا على ربوات الملائكة. ويُخبرنا سفر الرؤيا ٥ أنه يوجد عدد لا يُحصى من الملائكة، وهو متفوق عليها جميعًا، بسبب مَن هو، وبسبب أين هو؛ «عَنْ اليَمِيِن»: «لِمَنْ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ قَالَ قَطُّ: اِجْلِسْ عَنْ يَمِينِي؟». هناك رئيس ملائكة واحد فقط مُسمَى فى الكتاب المقدس؛ ميخائيل. لكن حتى ميخائيل ليس عن اليمين، بل ميخائيل هو عند قدمي الرب يسوع المسيح. وجبرائيل، المدعو رئيس ملائكة، هو عند قدمي الرب يسوع المسيح. كلهم هناك، بل وأكثر من ذلك، فالشيطان سيكون هناك. سوف يحني ركبته للرب يسوع، ويعترف أن يسوع المسيح رب «لِذَلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ». «مَنْ تَحْتَ الأَرْضِ» يُشير إلى تلك المناطق السفلية، حيث سيكون الشيطان. وعندما تسمع الكائنات السفلية ذلك الاسم المبارك للرب يسوع مُعلَنًا، ستجثو جميعها، وسيكون الشيطان أول من يقول: «هُوَ رَبٌّ»، ليس طوعًا، بل قهرًا. إن ربنا يسوع المسيح متفوق فى المركز فوق أجناد الملائكة لأنها مجرد أرواح خادمة، أما هو فرب الكل (١: ١٣، ١٤).
إنه هناك بفضل واستحقاقات كهنوته (عب ٨: ١، ٢):
فى عبرانيين٨: ١ نقرأ أنه – تبارك اسمه - هناك بالارتباط بعمله الحاضر باعتباره رئيس الكهنة العظيم؛ بفضل وظيفته، متقدمًا على كهنوت هارون «لَنَا رَئِيسَ كَهَنَةٍ مِثْلَ هَذَا، قَدْ جَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ الْعَظَمَةِ فِي السَّمَاوَاتِ» (عب٨: ١). هناك ثراء وغزارة في المعاني المُتضَمنة فى كلمة «مِثْلَ هَذَا». إن ربنا يسوع المسيح قد جلس ككاهن فى يمين عرش العظمة فى السماوات. نلاحظ هنا أنه يقول يمين العرش؛ فهو مقام شرعي. والرسالة إلى العبرانيين تتحدث عن العرش، ليس المقصود خط الحكم بالضبط، بل كعرش النعمة (عب٤: ١٦). إن إدارة كل الدعم الإلهي، والعون والتعزية التى يحتاجها قديسي الله، متجسدة عند قدمي العرش؛ وذاك الذي يجلس هناك لإدارته ليس غير ذلك الإنسان المبارك الذي حمل أحزاننا، وأوجاعنا تحمل. إنه يعرف معنى أقسى التجارب، إذ اجتاز فى ذات المشاعر. لقد جُرِّب في كل شيء، بلا خطية، وهو مؤَّهل لأن يتصرف ككاهننا فى محضر الله. أما نوع الخدمة التى أُشير إليها – العون، والدعم والتعزية والخلاص – فهذه كلها تخصه وهو عن يمين الله، ليخدمنا ونحن هنا حيث الضغوط، لكي يخفف عن أرواحنا كل ما يُمكن أن تُسببه لنا من انحناء، لكي ما نكون أحرارًا لأن نرتبط به كخادم الأقداس، مُعطين إياه ما سيُقدمه لله.
أنه هناك بفضل واستحقاق ذبيحته (عب ١٠: ١٢):
إنه هناك على أرضية الفداء. إنه هناك بفضل ذبيحته. إنه هاك عن يمين الله كنتيجة لتتميم عمله الكامل على الصليب. تبدأ فقرتنا: «وَكُلُّ كَاهِنٍ يَقُومُ». فى ترتيب أمور العهد القديم كل كاهن يقف، ولا يجلس مطلقًا. فهو لا يجلس قط، لأن عمل الذبيحة لم ينتهِ، ولم يكمل. لقد كان يخدم يوميًا، ويُقدِّم مرارًا كثيرة نفس الذبائح، من ثيران وتيوس – نقرأ عنها فى سفر اللاويين – التى لا يمكن أبدًا أن ترفع خطايا. وهناك فرق بين عمل الكاهن الهاروني، ورئيس كهنة مثل هذا. وهو الفرق بين «مطلقًا» و«أبدًا». فهو يجلس إلى الأبد، لأن العمل الذي عمله قد أكمله إلى الأبد. وهكذا، كان عدم النفع مكتوبًا على الترتيب الكهنوتي للعهد القديم. كم يُضلل بعيدًا الترتيب الكهنوتي المنظم، الممتد عبر كل تاريخ المسيحية، محاكاة لما نحاه الله جانبًا!
نشكر الله أن الرب يسوع المسيح، بالتباين مع أولئك الكهنة، ذُكر هنا في عدد ١٢ «وَأَمَّا هَذا». انتبه إلى «أَمَّا» فى الكتاب المقدس؛ فهي توضح التضاد؛ «وَأَمَّا هَذَا فَبَعْدَمَا قَدَّمَ عَنِ الْخَطَايَا ذَبِيحَةً وَاحِدَةً، جَلَسَ إِلَى الأَبَدِ». لاحظ التصحيح بين «بَعْدَمَا قَدَّمَ عَنِ الْخَطَايَا ذَبِيحَةً وَاحِدَةً إِلَى الأَبَدِ، جَلَسَ» وبين «بَعْدَمَا قَدَّمَ عَنِ الْخَطَايَا ذَبِيحَةً وَاحِدَةً، جَلَسَ إِلَى الأَبَدِ (أي جلس على الدوام)». لقد جلس أبديًا لأن عمله أبدي. بعد إتمام عمل بهذا المجد «جَلَسَ إِلَى الأَبَدِ عَنْ يَمِينِ اللهِ». وعندما أقول إنه هناك بفضل ذبيحته، لا أقصد أنه هناك يُقدِّم الذبيحة، هذا قد تم في الصليب وإلى الأبد. وعظمة وكمال عمله مذكورة هنا في عدد ١٢. وفي عدد ١٤ نتعلَّم أن النتائج مباركة كالعمل، وأن قديسيه مُطهَّرون من الخطايا والآثام، كالذي تمَّم العمل. ونقرأ هنا: «لأَنَّهُ بِقُرْبَانٍ وَاحِدٍ (نفس اللغة السابقة) قَدْ أَكْمَلَ إِلَى الأَبَدِ الْمُقَدَّسِين». إن المسيح عن اليمين في كل مجد عمل الفداء، ونحن نعرفه هناك، على أساس ما عمل على الصليب.
إنه هناك بفضل واستحقاقات كماله الأدبي (عب ١٢: ١، ٢):
إنه هناك كمن وصل إلى نهاية طريق الإيمان. ولنسترجع الأعداد كاملة، حيث أن كل عبارة مهمة: «لِذَلِكَ نَحْنُ أَيْضًا إِذْ لَنَا سَحَابَةٌ مِنَ الشُّهُودِ مِقْدَارُ هَذِهِ مُحِيطَةٌ بِنَا، لِنَطْرَحْ كُلَّ ثِقْلٍ وَالْخَطِيَّةَ الْمُحِيطَةَ بِنَا بِسُهُولَةٍ، وَلْنُحَاضِرْ بِالصَّبْرِ فِي الْجِهَادِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا، نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ، الَّذِي مِنْ أَجْلِ السُّرُورِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ احْتَمَلَ الصَّلِيبَ مُسْتَهِينًا بِالْخِزْيِ، فَجَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ اللهِ».
إن الشهود ليسوا مُراقبون، ينظرون المؤمنين الراكضين فى السباق. بل هم شهود على كل ما يستطيع الإيمان أن يفعل. كثيرًا ما يقال: الإيمان يصدق غير المعقول، ويرى غير المنظور، ويفعل المستحيل، وهو ما ينطبق على أصحاح عبرانيين ١١.
من منظور سحابة الشهود، ماذا عسانا نفعل؟ يجيب الكتاب: «لِنَطْرَحْ كُلَّ ثِقْلٍ وَالْخَطِيَّةَ الْمُحِيطَةَ بِنَا بِسُهُولَةٍ». إن عبارة «الْخَطِيَّةَ الْمُحِيطَةَ بِنَا»، غالبًا ما يُساء فهمها. فهي في هذه الفقرة ليست خطية معينة، بل الخطية التي تحيط بنا وتعثرنا بسهولة، مثل حبل في مضمار يتشابك بين رجلي متسابق فيسقطه أرضًا.
«لْنُحَاضِرْ بِالصَّبْرِ فِي الْجِهَادِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا، نَاظِرِينَ إِلَى ... يَسُوعَ». عن ماذا نحول أنظارنا؟ لنحول أنظارنا عن الشهود، نحول أنظارنا عن الإخوة، نحول أنظارنا عن كل شيء آخر، لكن ننظر إليه!
«نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ». هذا يعني أنه هو من بدأ وأكمل مسار الإيمان كله. لقد مشى كل الطريق. «الَّذِي مِنْ أَجْلِ السُّرُورِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ احْتَمَلَ الصَّلِيبَ مُسْتَهِيناً بِالْخِزْيِ». فقط تفكر فيه كرجل أوجاع ومختبر الحزن، إلا أن السرور كان موضوعًا أمامه. لا يقول إنه استهان بالصليب، بل استهان بالخجل، أي أنه استهان بما فعله به الإنسان. كان الصليب مختلفًا لأنه تضمن كونه قد جُعل خطية، وهو ما أسس مجد الله. لقد استهان بالخزي الذي هاله عليه الإنسان الوضيع.
ماذا كانت النتيجة؟ إنه جلس في يمين عرش الله. هو هناك بسبب كماله وجماله الأدبي.
شكرًا لله من أجل بنيامين الحقيقي، ابن اليد اليمين. يا ليت الرب يعطينا نعمة لنركض بالصبر، ناظرين إلى الرب يسوع.
نورمان أندرسون