(عد20: 2-11)
يُكلمنا سفر العدد عن شيء من تاريخ البرية، فنقرأ في أصحاح20: 2-11:
«وَلمْ يَكُنْ مَاءٌ لِلجَمَاعَةِ فَاجْتَمَعُوا عَلى مُوسَى وَهَارُونَ. وَخَاصَمَ الشَّعْبُ مُوسَى وكَلَّمُوهُ قَائِلِين: ليْتَنَا فَنِينَا فَنَاءَ إِخْوَتِنَا أَمَامَ الرَّبِّ. لِمَاذَا أَتَيْتُمَا بِجَمَاعَةِ الرَّبِّ إِلى هَذِهِ البَرِّيَّةِ لِكَيْ نَمُوتَ فِيهَا نَحْنُ وَمَوَاشِينَا؟ وَلِمَاذَا أَصْعَدْتُمَانَا مِنْ مِصْرَ لِتَأْتِيَا بِنَا إِلى هَذَا المَكَانِ الرَّدِيءِ؟ ليْسَ هُوَ مَكَانَ زَرْع وَتِين وَكَرْمٍ وَرُمَّانٍ وَلا فِيهِ مَاءٌ لِلشُّرْبِ! فَأَتَى مُوسَى وَهَارُونُ مِنْ أَمَامِ الجَمَاعَةِ إِلى بَابِ خَيْمَةِ الاِجْتِمَاعِ، وَسَقَطَا عَلى وَجْهَيْهِمَا، فَتَرَاءَى لهُمَا مَجْدُ الرَّبِّ. وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلاً: خُذِ العَصَا وَاجْمَعِ الجَمَاعَةَ أَنْتَ وَهَارُونُ أَخُوكَ، وَكَلِّمَا الصَّخْرَةَ أَمَامَ أَعْيُنِهِمْ أَنْ تُعْطِيَ مَاءَهَا، فَتُخْرِجُ لهُمْ مَاءً مِنَ الصَّخْرَةِ وَتَسْقِي الجَمَاعَةَ وَمَوَاشِيَهُمْ. فَأَخَذَ مُوسَى العَصَا مِنْ أَمَامِ الرَّبِّ كَمَا أَمَرَهُ. وَجَمَعَ مُوسَى وَهَارُونُ الجُمْهُورَ أَمَامَ الصَّخْرَةِ، فَقَال لهُمُ: اسْمَعُوا أَيُّهَا المَرَدَةُ! أَمِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ نُخْرِجُ لكُمْ مَاءً؟ وَرَفَعَ مُوسَى يَدَهُ وَضَرَبَ الصَّخْرَةَ بِعَصَاهُ مَرَّتَيْنِ، فَخَرَجَ مَاءٌ غَزِيرٌ، فَشَرِبَتِ الجَمَاعَةُ وَمَوَاشِيهَا».
هذه كانت فرصة رائعة لموسي ليُمثل قلب الله أمام الجماعة، في وقت كانت فيه الجماعة في حالة تذمر وانقسام وأنين. ولكنه بدلاً من أن يُكلِّم الصخرة كما قيل له، ضربها.
سابقًا، في خروج 17، عندما كان عليه أن يضرب الصخرة، فعل هكذا. وهناك نرى صورة بديعة للمسيح وهو مضروب لأجلنا في الجلجثة، ومن هناك جرى الماء - ماء روح الله الحي – الذي حضر في يوم الخمسين، لينعش قلوب النفوس المعيية.
إلا أنهم الآن وبعد زمان في البرية نجدهم عطاش أيضًا. هل عطشنا أنا وأنت؟ أين تجد في كل تاريخ الكنيسة على الأرض تلك النضارة الحية، التي كانت موجودة في سفر الأعمال حيث الوحدة الحقيقية؟ لقد كانوا معًا بنفس واحدة. أين نجد هذا، اليوم؟ بكل أسف لقد ندر، ونحن نعلم ذلك، بل ويمكننا أيضًا مواجهة تلك الحقيقة. لكن ما هو سبب ذلك؟ ومَن نلوم؟ أعزائي الإخوة نحن المُتهَمين! وعلينا أن نواجه الحقائق. فإذا كان هناك أي قياس من الشقاق بين شعب الله - أو في اجتماعك المحلي - إذا وجد أي عدم توافق، فمن نلوم؟ نلوم أنفسنا. ولنحذر من مجرد الإشارة بإصبعنا ببساطة إلى أحد، بل كما ذكر بولس في رسالته إلى أهل أفسس4: 3 «مُجْتَهِدِينَ أَنْ تَحْفَظُوا وَحْدَانِيَّةَ الرُّوحِ بِرِبَاطِ السَّلاَمِ». كم هو ضروري لنفوسنا أن تأتي إلى ذات محضر الله في تلك الظروف.
هذا ما فعله موسى أولاً، عندما اجتمعت الجماعة متذمرة. فكم كان منظره صحيحًا - هو وهارون - عندما ذهبا عن الجماعة، إلى باب خيمة الاجتماع، وسقطا على وجهيهما أمام الله. هذا ما نحتاج إليه بشدة؛ روح الشفاعة. ألا نتضرع إلى الله أن يهبها لنا جميعًا، حيث نجد مسئولية الفرد مرتبطة بخير الجماعة؟ يا ليت قلوبنا تتحرك داخلنا لخير الجماعة.
عندما يصعد الأنين من القلوب، فبالتأكيد هذا هو بداية الانقسام – الأنين. هل أنا متورط في هذا الذنب؟ هل أنت؟ روح الشكوى؛ تذكّر أن روح الشكوى هي في الواقع موجهة ضد الله! تفكر في هذا! وكأنك تقول: “إن الله غير مهتم بي كما يجب” أو “إن الله غير مهتم بالجماعة كما يجب”. فبدلاً من روح الشكوى، لتكن عندنا روح الشفاعة.
أعلم أن هناك أمورًا متخالفة في وسط الجماعة، فلنواجهها لأنها أمور لا يجب أن تكون فيما بيننا. فماذا نحن فاعلون تجاهها؟ علينا أن نفحصها ونُميز الخطأ فيها، لكن هذا أمر مختلف عن الإتيان بالنعمة التي تقابل هذا الخطأ.
لقد أدرك موسى الخطأ هنا وعلم عدم قدرته على مواجهته. هل ندرك نحن أيضًا عدم قدرتنا على مواجهة هذه الأمور عند ظهورها؟ ماذا عسانا أن نفعل تجاهها؟ أن نوجد في محضر الله! «فَأَتَى مُوسَى وَهَارُونُ مِنْ أَمَامِ الجَمَاعَةِ إِلى بَابِ خَيْمَةِ الاِجْتِمَاعِ، وَسَقَطَا عَلى وَجْهَيْهِمَا»، فاستجاب الرب، وسيستجيب لنا «لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسَطِهِمْ» (مت18: 20). إننا نتكلم بخصوص الاجتماع معًا. وماذا لو اختلفت كل الجماعة على الاجتماع معًا؟ بكل أسف، هذا يحدث أحيانًا فحتى إذا اجتمع اثنان أو ثلاثة فقط من الجماعة، سيتحقق لهم الوعد بحضور الرب يسوع، إذا ما كانت روح المحبة للمسيح هي التي جمعتهم بقوة روح الله في الصلاة.
لقد صلى كل من موسى وهرون والرب استجاب لهما. يا لروعة النعمة! فماذا كنا سنفعل في البرية – في تاريخ بريتنا نحن – دون نعمة الله؟ إن الله لم يتصرف كما تصرف موسى هنا، أليس كذلك؟ قال الرب لموسى أن يذهب ويُكلِّم الصخرة، والآن ها هو موسى وقد أفسد الرمز. لقد سبق وضرب الصخرة مرة، كما ضُرب المسيح مرة، وأتى الروح في يوم الخمسين، وهو باقٍ في الكنيسة، سواء في كل مؤمن على حده، أو في الكنيسة ككل، لكنها تفتقر إلى قوته، ونحن نعلم ذلك جيدًا، بل ونحن السبب في ذلك. فما نحتاجه الآن ليس هو قبول الروح مُجددًا، ولا أن يأتي المسيح ويموت ثانية لكي يعطينا الروح أيضًا. لِما لا! كلِّم الصخرة. والمسيح هو الصخرة. كلِّمه حتى ينسكب ملء الروح، ويظهر في قديسيه.
فكل ما كان على موسى هو أن يُكلّم الصخرة أمام أعينهم، حينئذ كان سيمثل الله بحق في محبته الخالصة ونعمته. أما كان هذا بمثابة توبيخٍ لتذمرهم وشكواهم، لو كان موسى كلَّم الصخرة بدلاً من توبيخهم؟ أما كان هذا توبيخًا أشد؟ أما كانوا شعروا بخطئهم بطريقة أعمق؟ لكن الله أظهر نعمته مقابل تذمرهم.
إخوتي الأحباء هناك برهان على عمل روح الله، عند إظهار النعمة مقابل التذمر. تفكر في هذا! هل نحسن استخدام قوة روح الله؟ آه، يا ليت الرب يوقظنا لنفعل ذلك.
وحتى بعد أن ضرب موسى الصخرة جرى الماء منها غزيرًا، فأظهر الله إنعامه، حتى عند إخفاق موسى. والآن أنا لست بصدد شكوى موسى لأنه في الأساس هو رجل الله، بل وكان حليمًا جدًا أكثر من كل الذين على وجه الأرض، مُتقبلاً من شعبه الكثير دون الرد عليهم، بل ونجده مرارًا وتكرارًا، يُصلي من أجلهم عندما يسيئون التصرف. وإني أعتقد أن معظمنا له تجارب مؤسفة، ربما استطعنا تحملها لفترة معينة من الوقت، لكن سرعان ما انفجرت ثورتنا. إنه أمر سيئ أن نفعل هذا، والرب يحمينا منه، ويُعطينا نعمة لنعلم كيف نحتمل. كما يحرضنا الرسول في أفسس4: 2، 3 «بِكُلِّ تَوَاضُعٍ، وَوَدَاعَةٍ، وَبِطُولِ أَنَاةٍ، مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي الْمَحَبَّةِ. مُجْتَهِدِينَ أَنْ تَحْفَظُوا وَحْدَانِيَّةَ الرُّوحِ بِرِبَاطِ السَّلاَمِ». الاحتمال، التواضع، الوداعة، طول الأناة، هذه أدلة على أن روح الله عاملٌ فيمن يتصف بها. فهل تريد أن ترى قوة روح الله؟ في هذا تراها.
لكن على أية حال كلَّم الصخرة. فإذا ما صادفتنا المصاعب ماذا عسانا أن نفعل؟ إذا ما زحف إلينا أي شيء ليضرب وحدتنا الحقيقية، دعنا نكلم الصخرة. من السهل أن نُكلِّم بعضنا البعض عن هذا الأمر، أَ ليس كذلك؟ من السهل أن نقول للناس كيف أن هذا الخطأ يتم بيننا، وما أردأ الحالة. لكن كلم الصخرة. كلِّم المسيح. هل سيعتني بالأمر أم لا؟ شكرًا لله, إنه سيفعل.
لقد خرج الماء غزيرًا بالرغم من أن موسى لم يُكلِّم الصخرة، لأن الله جواد بالرغم من عدم إيماننا. لكن من الضروري لنفوسنا جميعًا، إذا كان لنا أن نستعيد وحدتنا التي أُعيقت، أو إذا كان لنا أن نؤسس وحدة لتكون في ذات محضر الله. فلنصل من أجل جميع القديسين؛ من أجل كل فرد فيهم. فلو كنت لا أتفق مع أحدهم فالأحرى بي أن أصلى من أجله. وإن كان أحدهم يضايقني، فعليَّ بالصلاة من أجله، لأن هذا سيُعطيني توجّهًا مختلفًا تجاهه. يا ليت الرب يُحركنا ويقودنا جميعًا في البرية بأمان، إلى البيت المجيد من أجل اسمه.