أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يناير السنة 2010
الخنازير والجداء
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

في المثل الوارد في لوقا 15 والمعروف بقصة الابن الضال، نجد ثلاث شخصيات أساسية، هم: الأب وابناه، وكل منهم ارتبط بنوع من الحيوانات المذكورة في المثل، هي الخنازير والعجل المسمن والجدي، ولنتأمل الآن في هذه الشخصيات الثلاث وارتباطها بهذه الحيوانات، ومدى تأثير هذا الارتباط على من يرتبط به.

أولاً: الابن الأصغر والخنازير:

 في هذا الارتباط نرى الابن الأصغر وقد سلك طريق الإباحية، وهذا يعطينا صورة واضحة للإنسان الخاطي في بعده عن الله، سالكًا طريقًا معوجًا، قلبًا وقالبًا، وهو طريق الإباحية. ولكي نعرف هذا الطريق ومدى خطورته على من يسلكه، لنتأمل في بعض من أماكن ورود ذكر الخنازير في كلمة الله كالآتي:

1 – الخنازير وطعامها: في لاويين 11 نجد أن الخنازير من الحيوانات النجسة، لأنها لا تجتر رغم أنها تشق الظلف. وهنا يركز الروح القدس على الطريقة التي تتغذى بها الخنازير، فهي لا تجتر. والمعنى الروحي لذلك هو أن الإنسان الخاطئ لا يفكر في ما يأكله. ومعروف عن الخنازير أنها تعيش على النفايات (الزبالة)، وتأكلها دون فحص وبشراهة، وهذا يعطينا صورة لمن يتغذى على كل نفايات العالم من مواقع دنسة على الإنترنت، أو القنوات الفضائية، أو المجلات الرخيصة، أو الأفلام الدنسة، وبالتالي يتشكل عقله الباطن بهذه الصور الدنسة، وينطبق عليه القول: «أن تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم» (تك6: 5).

2 – الخنازير والزينة الخارجية: يقول الحكيم: «خزامة ذهب في فنطيسة (أنف) خنزيرة المرأة الجميلة العديمة العقل» (أم11: 22). وهنا نرى صورة للإنسان الخاطي وهو يحاول جاهدًا أن يجمل نفسه بالزينة الخارجية، مثل المناصب الاجتماعية أو السياسية أو الدرجات العلمية أو الثروات المالية، كل هذه تعطي للإنسان إثباتًا ذاتيًا في المجتمع، ولكنها لا تغيِّر من طبيعته. فكما أن الخزامة التي في أنف الخنزيرة لا تستطيع أن تجعلها حَمَلاً، هكذا الزينة الخارجية لا تستطيع ان تغيِّر من طبيعة الإنسان الخاطي.

3- الخنازير في وحل الخطية: يقول الكتاب، تشبيهًا للأشرار الذين يعيشون في وحل الخطية، إنهم مثل خنزيرة مغتسلة تعود إلى مراغة الحمأة (2بط 2: 22). وهنا نرى الإنسان وقد وصل إلى أحط درجات الشر والخطية والدنس من ممارسة الجنس, وإدمان المخدرات, وممارسة العنف .... الخ. فالدرجات العلمية والحضارة والمناصب لم ولن تستطيع أن تكبح جماح الشر الكامن داخل الإنسان، بل إنه يجري بخطى سريعة إلى أوحال الشر والرذيلة.

4 – الخنازير وبحيرة الموت: في قصة مجنون كورة الجدريين الذي كان به شياطين كثيرة، يقول الكتاب إن الشياطين خرجت من الإنسان ودخلت في الخنازير، فاندفع القطيع من على الجرف إلى البحيرة واختنق (لو8: 33). وهنا نرى النهاية المأساوية للخنازير في بحيرة الموت، أي أن من يتبع طريق الخنازير تكون نهايته في بحيرة النار والكبريت.

ولكن الكتاب يقول عن الابن الضال إنه رجع إلى نفسه. فقبْل أن يكمل المشوار إلى النهاية، أدرك الهلاك قبل أن يدركه الهلاك، وقال مقولته المشهورة: «كم من أجير لأبي يفضل عنه الخبز وأنا أهلك جوعًا... فقام وجاء إلى أبيه» (لو15: 17-20). فكانت النتيجة أن قبله الأب فرحًا. يا ليت قارئ هذه السطور، إن كان لم يزل يسلك طريق الخنازير، يرجع إلى نفسه، من ثم يرجع إلى الله، فينال الحياة الأبدية!

ثانياً: الابن الأكبر والجداء: 

لقد طلب الابن الأكبر جديًا من أبيه لكي يفرح به مع أصدقائه خارج البيت. وهنا يكشف لنا الكتاب عن الخاطي، ولكن في صورة أخرى هي طريق الاستقلالية عن الله. وهذا يوضح لنا أن للخطية وجهين، الوجه الأول هو الإباحية كما رأيناها في الابن الأصغر، والوجه الآخر هو الاستقلالية كما نراها الآن في الابن الأكبر.

وكما استعرضنا بعضًا من أماكن ذكر الخنازير في الكتاب، نستعرض الآن بعضًا من أماكن ورود الجداء في كلمة الله.

الجداء بحسب الشريعة هي حيوانات طاهرة، وكانت تُستخدم كذبيحة خطية، أي لستر الخطية من امام نظر الله. ولكن الإنسان استغل هذه الذبيحة الطاهرة إستغلالاً سيئًا، للوصول عن طريقها إلى أغراضه الدنيئة كما سنرى الآن:

1 – الجداء والمكر والخداع: في تكوين 27 نجد أول مرة تُذكر فيها الجداء في أول قصة مكر وخداع بين ابن وأبيه، عندما خدع يعقوب أباه إسحاق لكي يأخذ البركة، وقد كانت الوسيلة التي استخدمها يعقوب لهذا الغرض هي جديين جيدين من المعزى. وهنا نجد الإنسان سارقًا وخداعًا وماكرًا مستخدمًا هذه الذبيحة الطاهرة، لكن لإغراض ذاتية، وليس لمجد الله.

2 – الجداء والقتل والغدر: في تكوين 37 نجد قصة يوسف بن يعقوب عندما غدر به إخوته وأرادوا قتله، وقد كانت الوسيلة لإخفاء فعلتهم جديًا.

3 – الجداء والزنى:في تكوين 38 نجد حادثة زنى داخل نطاق الأسرة، في قصة زنى يهوذا مع ثامار امرأة ابنه. وزنى مثل هذا لا يسمى بين الأمم حتى تكون للإنسان امرأة ابنه. يا للكارثة! وقد كان الثمن لارتكاب هذه الخطية هو جديًا من المعزى.

هذا هو الإنسان الذي يملأ ملء شدقيه قائلاَ: «قط لم أتجاوز وصيتك». ها نحن نراه سارقًا قاتلاً، زانيًا، ويا للأسف كم من أناس داخل جدران الكنائس ولكنهم مستعبدون للشر والخطية.

4 – الجداء ونهايتها: في متى 25 : 33، 41 نجد المصير الأبدي التعيس للأشرار المشبَّهين بالجداء، عندما يقفون عن اليسار أمام الرب الديان، ويُقال لهم: «اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته». هذا هو مصير كل من يتستر وراء الأمور الروحية للوصول إلى أغراض جسدية.

ثالثاً:الاب والعجل المسمن:

في ذبح العجل المسمَّن نرى الشركة والأفراح، ولنستعرض أيضًا بعضًا من أماكن ذكر العجول في كلمة الله.

1– العجل على مذبح المحرقة: نقرأ في كلمة الله عن العجول أنها كانت تقدَّم ذبيحة، كالمحرقة مثلاً في لاويين 1، ذبيحة الخطية في لاويين 4، والتقدمة التطوعية في سفر العدد 15.

2 – العجل المسمّن على مائدة الأب: كما نرى في المثل موضوع تأملنا، وهنا نستمتع بأفراح الشركة مع الآب.

3– العجل المسمّن على مائدة العريس: في متى 22 في قصة الملك الذي صنع عرسًا لابنه، نراه يقدم الدعوة قائلاً: «ثيراني ومسمناتي قد ذبحت». وهنا نستمتع بأفراح الشركة مع الابن.

وبالتالي بمقارنة لوقا 15 ، متى 22 نجد أنفسنا متمتعين بالشركة مع الآب ومع ابنه، وهذا ما عبَّر عنه يوحنا قائلاً: «وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح» (1يو1: 3).

4– العجل المسمّن على مائدة سليمان: في 1 ملوك 4 نقرأ عن مائدة سليمان، فنرى عليها عجولاً مسمنة وعجولاً من المراعي. وهنا نستمتع ليس بالشركة مع الله فقط، بل أيضًا بالمُلك «إن كنا نصبر فسنملك أيضًا معه» (2تي2: 12)، «وجعلنا لإلهنا ملوكًا وكهنة فسنملك على الأرض» (رؤ5: 10) وهنا نرى أمجاد المُلك.

ما أروع هذه الأماكن التي نرى فيها العجل المسمن! وما أروع دلالتها الروحية! إذ في مذبح المحرقة نجد الأساس في العلاقة مع الرب، وهي الذبيحة؛ وبعد ذلك تكون لنا شركة مع الآب ومع ابنه؛ وفي النهاية نصل إلى ذرى المجد.

يعقوب جاد