أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يناير السنة 2010
العين الموحدة
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

(مزمور 27)

يستعرض المزمور السابع والعشرون، بروعة فائقة، اختبارات مؤمن ينظر إلى الرب - وسط كل تجاربه - بعين موَّحدة تمامًا، وبشوق خالص (ع4).

ويُفتتح المزمور باختبار المرنم الذي وجد في الرب مصدرًا لا يخيب، بالرغم من وجود كل أشكال المقاومة (ع1- 3).  ثم نُخبَر برغبة قلبه السرية (ع4)، وثقته في الرب (ع5، 6)، ثم نستمع إلى صلاته للرب (ع 7-12)؛ وأخيرًا نتعلم كيف أنه ينتظر ليرى جود الرب في أرض الأحياء (ع13، 14).

(1) الرب المصدر الذي لا يخيب بالنسبة للتقي (ع 1-3 )

يجد الإنسان التقي في كل ضيقاته وتجاربه الرب كمصدره الذي لا يخيب. فالرب "نُورِه" و"خَلاَصِه" و"قوته".

في وسط الظلام السائد لا يعطينا الرب نورًا فقط لكنه هو النور.  ويستطيع المؤمن أن يقول إن الرب قد سار في هذا الطريق، وواجه مقاومة الأشرار، وهو المثال الكامل للروح التى بها يجب أن تُواجه المقاومة.  وبالإضافة إلى ذلك فإن الرب يستطيع أن يُخلِّص، وهو الذي سيُخلِّصنا، في نهاية المطاف، من جميع الأعداء، وأما في الوقت الحاضر فهو قوتنا الذي يعضدنا في جميع تجارب الحياة.

ولأن الرب هو المصدر الوحيد الذي لا يخيب للمؤمن، لذلك يستطيع المؤمن أن يقول: «مِمَّنْ أَخَافُ؟». ربما يقاومنا أفراد أو جماعات من الأعداء، أو تقوم علينا «حَرْبٌ» – أي مقاومة ممتدة في كل خطوة نخطوها في طريق ترحالنا، لكن على القلب أن لا يخاف، وعلى النفس أن لا تفقد ثقتها، إذ نرى الرب "نورنا" و"خلاصنا" و"قوتنا".

(2) رغبة قلب المؤمن تجاه الرب (ع4)

من وراء هذه الثقة في الرب نجد رغبة قلب المؤمن وشهوته المُخلصة تجاه الرب.  فالمرنم يتوق - فوق كل شيء - لأن يعيش في شعور دائم بحضور الرب، وأن يسكن في بيت الرب كل أيام حياته،  لينظر إلى جمال الرب، ويتفرس متأملاً فيه، وليتعلم منه.  وفى ضوء العهد الجديد أدركنا أن الرغبة الواحدة التى سألها المرنم من الرب هي نفس الرغبة الواحدة التى اختارتها مريم؛ أن تجلس عند قدمي الرب وتسمع كلامه.

(3) الثقة في الرب (ع5، 6)

بالارتباط برغبة قلب المرنم تجاه الرب، هناك بالضرورة الثقة في الرب.  فإن كان الرب «خَلاَصِي»، فبلا شك أنه سوف »يُخَبِّئُنِي« من كل أعدائي وإن كان قوتي فهو يحفظني في أمان مثبتًا على صخرة رجليَّ، وفى وقته سيرفع رأسي على جميع أعدائي لمجده ومدحه.

(4) الصلاة إلى الرب ( ع7- 12)

فأولاً: إننا نرى في الصلاة تدريبًا لهذا التقي في محضر الرب.  ففي وجود العدو يدرك قوة الرب، وفى حضرة الرب يُدرك ضعفه وخطيته التى تخيفه من غضب الرب، إلا أنه يعرف شر قلبه في وجود النعمة، التى تستطيع أن تستوعب كل ما فيه من أجل هذا قال الرب: «اطْلُبُوا وَجْهِي» (ع8). هذا ما حدث أيضًا عندما كان ربنا على الأرض، واكتشف بطرس أنه رجل خاطئ موجود في حضرة ذاك المملوء نعمة، من نحو إنسان مملوء خطية (لو5: 8).

ثانيًا: إذ تشجع المرنم أن يلتمس وجه الرب، صلى ألا يحجب الرب وجهه عنه، كى يُحفظ فى التمتع بالشعور برضا الرب ساطعًا ومستقرًا عليه.  فإن يعي المؤمن أنه مقبول فى المحبوب ويتمتع برضا الله عليه، هذا جانب، لكن من الجانب الآخر عليه أن يسير بموجب هذا الشعور.

ثالثًا: حيث إن المرنم موقن من أن الرب كان عونه في الماضي، فهو يسأل الرب ألا يتركه ولا يهمله في الأيام الآتية، حتى وإن تركه الأقربون له في الأرض. وإذ نسمع الرب يقول لنا «لاَ أُهْمِلُكَ وَلاَ أَتْرُكُكَ»، نستطيع أن نقولُ واثِقِينَ: «الرَّبُّ مُعِينٌ لِي فَلاَ أَخَافُ. مَاذَا يَصْنَعُ بي إِنْسَانٌ؟» (عب13: 5، 6).
رابعًا: يطلب المرنم أن يتعلم طريق الرب، لا الطريق الذي يرغبه. ويدرك أن للرب طريقه الخاص لشعبه في هذا العالم، لذلك يصلي »عَلِّمْنِي يَا رَبُّ طَرِيقَكَ« (ع11).

خامسًا: إنه يعلم أن هناك أعداء كثيرين يطلبون أن يحولوه عن طريق الرب، لذلك فهو يسأل لا أن يتعلم الطريق فقط، بل أن يُقتاد في الطريق، فيقول: «وَاهْدِنِي فِي سَبِيلٍ مُسْتَقِيمٍ بِسَبَبِ أَعْدَائِي» (ع11).  إننا بحاجة إلى النور لنرى الطريق، وإلى الإيمان لنسلك فيه، وإلى النعمة لنحفظ فيه.

سادسًا: وإذ يُدرك ضعفه أمام أعدائه، يُصلي أن يُخلِّصه الرب من إرادة أعدائه الذين - بلا ضمير -  يشهدون عليه زورًا، وبلا قلب ينفثون قسوة.

(5) انتظار الرب (ع13، 14)

لو تُرك هذا التقي لنفسه لخار، لكن ما الذي شدده؟ الثقة في جود الرب أن يأتي به إلى أرض الأحياء.  ويستطيع المؤمن أن يقول، إن النعمة التي تأتي لي بالخلاص على الأرض، ستحضرني إلى المجد في السماء.  كل ما حولنا يُظهر شر الإنسان في عالم الخطية والموت، أما الإيمان فيخطو بثقة من أننا سنرى جود الرب في أرض الأحياء.  من أجل هذا علينا أن ننتظر بصبر وقت الرب.

لذلك فإن التحريض هنا هو: «انْتَظِرِ الرَّبَّ. لِيَتَشَدَّدْ وَلْيَتَشَجَّعْ قَلْبُكَ وَانْتَظِرِ الرَّبَّ» (ع14). فكل ما يجب أن نواجهه في الطريق لا بد أن نواجهه "بشجاعة"، لأن الرب سيُعضدنا إن كنا سالكين في طرقه، وهو سيشجع قلوبنا.  فسواء من أجل النعمة في الطريق، أو من أجل الرحمة النهائية التى ستُعتقنا من عالم الموت، وتأتي بنا إلى جود أرض الأحياء. دعونا "ننتظر الرب"، بالعين الموحدة التى تقودنا لأن نقول: «وَاحِدَةً سَأَلْتُ مِنَ الرَّبِّ وَإِيَّاهَا أَلْتَمِسُ: أَنْ أَسْكُنَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي لِكَيْ أَنْظُرَ إِلَى جَمَالِ الرَّبِّ وَأَتَفَرَّسَ فِي هَيْكَلِهِ» (ع4).

هاملتون سميث