الكنيسة مسكن لله بالروح
هذا إذًا، هو الترتيب في الكتاب المقدس. وهنا نجد أننا مبنيون على أساس الرسل والأنبياء «ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية، الذي فيه كل البناء مركبًا معًا، ينمو هيكلاً مقدسًا في الرب» (أف2: 20، 21). هذا الهيكل المقدس سيُرى فيما بعد في كماله المبارك. ذلك نجده في الأصحاح الواحد والعشرين من سفر الرؤيا، حيث يرى يوحنا «المدينة المقدسة أورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند الله مهيأة كعروس مزينة لرجلها. وسمعت صوتًا عظيمًا من السماء قائلاً: هوذا مسكن الله مع الناس، وهو سيسكن معهم» (رؤ21: 2، 3). هناك يُرى الهيكل المقدس بكل حجر موضوع فيه، في مجد أبدي، كمسكن الله. أما الآن فنجد البناء مستمرًا، وهو ينمو، وإني أرجو أنَّ كثيرين من الذين يقرأون هذه الكلمات يجذبهم الحق، ويأتون إلى المسيح، وبذلك يصيرون أحجارًا حية في هذا البناء. ذلك ما حدث في أفسس، لأن الرسول يقول «الذي فيه أنتم أيضًا مبنيون معًا، مسكنًا لله في الروح». حينما يمسك الحق إنسانًا، يصبح حجرًا في هذا البناء. إنه يشكِّل جزءًا من البيت الذي فيه يسكن الله. لكن أكثر من ذلك، هو يأتي إلى ذاك الذي هو «الحجر الحي» وبذلك يصير هو نفسه «حجرًا حيًا». إنه يتحقق من سمو وتفوق الرب في الكنيسة.
إنني أقرّ تمامًا بأن هذا الحق المتعلق بوجود مسكن لله على الأرض ليس جديدًا في طرق الله، رغم أن الشكل الذي يتخذه ذلك المسكن هو جديد. لذلك أطلب منكم أن ترجعوا إلى أسفار العهد القديم، حيث تجدون فكرة أن الله له مسكن بين الناس على الأرض. إن خروج 15 يعلن لنا هذا، حيث رنم موسى وبنو إسرائيل ترنيمة الفداء على الشاطئ المُشمس للبحر الأحمر. في حرية القيامة والفرح «حينئذٍ رنم موسى وبنو إسرائيل هذه التسبيحة للرب وقالوا: أرنم فإنه قد تعظم. الفرس وراكبه طرحهما في البحر. الرب قوتي ونشيدي، وقد صار خلاصي: هذا إلهي فأمجده (أو أصنع له مسكنًا ـ بحسب حاشية ترجمة داربي). إله أبي فأرفعه» (خروج15: 1، 2). لقد أدركوا الفكرة المباركة التي ملأت قلب الله طويلاً، وهي أنه أراد أن يسكن في وسطهم. ومن الجدير بالاعتبار أن سفر التكوين الذي يُعتبر خريطة الأصول للكتاب المقدس، والذي يوجد فيه تقريبًا كل الحقائق، لا نجد فيه هذه الفكرة. ففي هذا السفر لا نجد الحق الخاص بالجسد، ولا بمسكن الله. لماذا؟ لأن سفر التكوين هو سفر الخليقة، ولأن الخليقة خربت بسبب خطية الإنسان، فإن الله لم يستطع أن يسكن فيها. لكن من الوجهة الأخرى، سفر الخروج هو سفر الفداء. لذلك بمجرد ما أُكمل الفداء، نزل الله في السحاب ليسكن وسط شعبه. هذا لم يكن ممكنًا إلى أن أُكمل موت المسيح رمزيًا في وجهتين: ففي الأصحاح الثاني عشر من سفر الخروج، كان لا بد أن يُرَش دم الحَمَل على القائمتين والعتبة العُليا للأبواب. هذا الدم المرشوش حمى الشعب من دينونة الله، أبقاه كالديان خارجًا. أما في الأصحاح الرابع عشر، حيث عبور البحر الأحمر الذي هو أيضًا صورة لموت المسيح، فهو يعطينا حقًا إضافيًا.
ولا يمكن لأي نفس أن تدرك وتتمتع بالحق الخاص بالأصحاح الخامس عشر من سفر الخروج، ما لم تتعلم ما توضحه الأصحاحات الثلاثة السابقة. ففي الأصحاح الثاني عشر نجد الحِمى الذي قدمه دم الحَمَل. والفكرة هنا هي أنني احتميت من دينونة الله، وذلك شيء عظيم تعرفه النفس. وحينما نأتي إلى الأصحاح الثالث عشر يقول الله «قدّس لي كل بكر من الناس ومن البهائم: إنه لي» (خر13: 1). إن الدم الذي يحميني من دينونة الله، هو أيضًا الدم الذي يفرزني ويخصصني لله. وماذا نجد في الأصحاح التالي؟ أن الإسرائيليين عبروا البحر الأحمر، بينما كل جيش فرعون وفرسانه غرقوا. أي إنَّ كل قوة العدو قد هُزمت. هناك نقرأ لأول مرة في الكتاب المقدس عن الخلاص في معناه الكامل. لقد خلَّصهم الله. وفي العدد الثالث عشر من الأصحاح الرابع عشر يقول موسى للشعب: «لا تخافوا، قفوا وانظروا خلاص الرب الذي يصنعه لكم اليوم. فإنه كما رأيتم المصريين اليوم، لا تعودون ترونهم أيضًا إلى الأبد». إن «خلاص الرب» هو تعبير شامل ورائع. ما هو هذا الخلاص؟ ربما تقول: لقد أتيت إلى الرب يسوع، وقد غُفرت خطاياي، هذا صحيح، ونشكر الله لأجل هذا، لكن يوجد أكثر من ذلك في مثال البحر الأحمر. وهناك مَن يقول: أنا أؤمن بالرب، ولذلك أرجو أنني سأخلص. ذلك رجاء وليس خلاصًا. إن خلاص الرب يتضمن أن جيش فرعون العدو ـ الذي هو صورة للشيطان إله هذا الدهر ـ قد كُسِرَ، ولم يَعُد هناك عدو ليمسني. لقد أحضرني الرب إلى نفسه كما يعبِّر بكل جمال خروج 19: 4 «جئت بكم إليَّ». لم يُترك عدو واحد ليمنع تمتعي بالشخص الذي قد خلصني. ذلك ما يقدمه لنا الأصحاح الرابع عشر من سفر الخروج. لقد مشى بنو إسرائيل على اليابسة في وسط البحر، لكن المياه رجعت وأهلكت جميع أعدائهم، وعندما أقبل الصبح «نظروا المصريين أمواتًا على شاطئ البحر». لقد رأوا أن كل عدو قد انتهى. وبهذا نجد ثلاث حقائق مباركة وهي الحماية (خروج12)، والتقديس (خروج13)، والخلاص (خروج14). إن الحق الموجود في الأصحاح الرابع عشر هو الخلاص، وكل مَن هو في المسيح لم يُترَك أي عدو له. إن الخلاص هو حقيقة أُنجزت تمامًا. ثم يتبع ذلك التقديس أو التخصيص. من ثم، رنم بنو إسرائيل. وماذا قالوا؟ «هذا إلهي فأمجده (أو أصنع له مسكنًا)». ثم «تُرشد برأفتك الشعب الذي فديته، تهديه بقوتك إلى مسكن قدسك» (خر15: 13). ثم «تجيء بهم وتغرسهم في جبل ميراثك. المكان الذي صنعته يا رب لسكنك، المَقدِس الذي هيأَتَه يداك يا رب» (عدد17). إنهم الآن شعب مقدس.
ومما هو جدير بالملاحظة، أننا لا نجد القداسة قبل أن نصل إلى هذا الأصحاح. في العدد الحادي عشر نقرأ «مَن مثلك بين الآلهة يا رب؟ مَن مثلك مُعتزًا في القداسة، مخوفًا بالتسابيح، صانعًا عجائب؟». ونحن نجد فكرة القداسة متضمنة في السبت في الأصحاح الثاني من سفر التكوين. لكن الفكرة المُعلنة هنا، هي أنه بمجرد ما تم فداء شعب الرب، كان عليهم أن يتعاملوا مع إله قدوس، وقد تعلموا أن القداسة تليق ببيت الرب؛ كان عليهم أن يتعاملوا مع القدوس، والذي كان مزمعًا أن يسكن بينهم. وفي أفسس 2 نقرأ «الذي فيه كل البناء مركبًا معًا، ينمو هيكلاً مقدسًا في الرب» (عدد 21). وفي سفر الرؤيا رأى يوحنا «المدينة المقدسة» أورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند الله.
إن الفداء يضع شعب الله في المكان الذي فيه المسيح، يضعهم في نفس محضر الله، ليسكنوا هناك متمتعين بمحبته. وحيث إنه هو قدوس، لذلك فإن هيكله ينبغي أن يكون بالمثل هيكلاً مقدسًا، لأنه هناك يسكن فيه ذاك الذي هو قدوس. وإنني أسألكم يا أصدقائي الأحباء: حينما تأتون إلى الكنيسة أو الجماعة، هل الفكرة التي أمام ذهن كل منكم: أنا في البيت الذي فيه يسكن الله؟ وإذ نجتمع في انفصال عن كل ما هو غير لائق بمحضره، نستطيع أن نتمتع بهذا المحضر. ولا يوجد شيء أكثر بركة من هذا. ولا يوجد شيء أكثر أهمية. وإني أعتقد أنه أمر رائع وحسن أن الله له بيت، وأنه يأتي ويسكن فيه بروحه. لماذا؟ لكي يجعل نفسه معروفًا! إنه يسكن في بيته. إنه ليس فقط الباني، وصاحب البيت، لكن الأحلى أنه أيضًا هو الساكن فيه، وهو هناك فقط يكون في بيته ـ مع أهله ـ في هذا العالم. وهذا يعطي للكنيسة سِمَة لا يستطيع أي شيء آخر أن يعطيها، وهذا بالتأكيد يجب أن يؤثر فينا بشعورالهيبة. وإنني أخاف أن يكون هذا الشعور غير موجود دائمًا في قلوب كل المؤمنين. حينما أذهب إلى هناك، مَن الذي أذهب لألتقي به؟ إخوتي؟ نعم، ونشكر الله على ذلك، ولكن ليس هذا هو الشيء الأول. إن الحق المبارك هو أن الرب هناك. إنه مسكن الله بالروح، وإنَّه هو بنفسه الذي أذهب لألتقي به.
يوجد جانب آخر من هذا الحق في الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس. ففي الأصحاح الثالث من هذه الرسالة، يقول الرسول بولس: «أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم؟ إن كان أحد يُفسد هيكل الله فسيسفده الله. لأن هيكل الله مقدس الذي أنتم هو» (ع16، 17). إنه هيكل مقدس. ولا شك إنها فكرة مباركة وعجيبة، أن المؤمنين هنا على الأرض هم بيت الله، مسكن الله بالروح، وهذا يجعلنا نعتني لكي لا ندنس هذا المسكن بأية طريقة. وأكثر من ذلك، أن نجعل الرب يأخذ طريقه كما يريد في بيته الخاص. ولا أحتاج إلى أن أضيف أننا يجب أن نترك الله يدبر أموره في هذا البيت. إلا أن الإنسان – بالأسف - يعتقد أنه يستطيع أن يدبر بيت الله، فهو يرتب، ويأمر، ويعيِّن مَن الذي سيخدم. إنه يحدد مَن الذي سيقرأ أو يتكلم، ويعتقد أنه يفعل ذلك أفضل من الله نفسه!! ففي المسيحية المعترفة في هذه الأيام، حينما يجتمع ما يُسمى بالكنيسة، فغالبًا كل شيء مرتب من قبل، وذلك على فم شخص واحد، وضعه الناس في المكان الذي يخص الروح القدس. إنني لا أنكر الخدمة، لأني أنا نفسي أسعى لمعونة نفوسكم، لكني لا أفعل هذا بناءً على أمر الكنيسة! إن كل خادم للمسيح له مسؤوليته الشخصية في ممارسة موهبته. لكن ما يحدث في هذه الأيام عندما يذهب شعب الرب ليعبدوا، هو أنهم يصغون إلى الخدمة التي يلقيها شخصٌ ما، موهوب أو غير موهوب، كما تكون الحالة. ليس ذلك هو ترتيب الجماعة بحسب فكر الله. إن الكنيسة تعبد الله، والخادم يقدم خدمة من الله إلى الكنيسة. إن العبادة تصعد إلى فوق، أما الخدمة فهي تتجه إلى تحت، والفرق حيوي. وإذا قرأتم بعناية الأصحاحين الثاني عشر والرابع عشر من رسالة كورنثوس الأولى، ستجدون هذا موضحًا بجلاء.
(يتبع)