أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يناير السنة 2010
يسوع في الوسط بين المذنبين
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

«حينئذ صُلب معه لصان واحد عن اليمين وواحد عن اليسار» (مت 27: 38).

لقد أراد الأشرار أن يضيفوا إلى مرارة صلب المسيح مرارة وعلقمًا، فوضعوه في مستوى المجرمين، وصلبوه مع المذنبين. لم يريدوا أن يعتبروه محكومًا عليه بتهمة مختلفة، فصلبوه مع اللصوص القتلة، بل واعتبروه كأنه زعيمهم، فصلبوه في الوسط!

واللصان، نظرًا لتشابه جريمتهما، بل وربما لاشتراكهما معًا في الجريمة ذاتها، كان المفروض أن يُصلبا متجاورين، وأن يُصلب المسيح في مكان منفصل، فتهمته التي لفقوها له تهمة مختلفة تمامًا، لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بالسرقة. إلا أن الأشرار قصدوا بهذا التصرف التشهير بالمسيح، فصلبوه وسط اثنين من اللصوص. وهم فعلوا ما فعلوا، لا بدون وعي أو قصد، بل بحقد مكين وخبث دفين.

إن ذاك الذي فوق جبل التجلي ظهر بمجد مع رجلين، كرمتهما السماء، ها هو يُصلب بخزي مع لصين مذنبين لفظتهما الأرض! وإن كان الآب - فوق الجبل - رفض مقارنته بأفضل القديسين، فإن البشر ساووه بأردأ المجرمين!

لكننا نرى في هذا الأمر ثلاثة أشياء مهمة جديرة منا بالتوقف عندها، والتعليق عليها:

فأولاً: لقد كان أولئك الأشرار الأردياء في هذا الأمر - كما في كل ما يختص بمسألة الصليب - يتممون كلام النبوة رغمًا عنهم. قال التلاميذ في صلاتهم: «لأنه بالحقيقة اجتمع على فتاك القدوس يسوع، بيلاطس البنطي مع أمم وشعوب وبني إسرائيل، ليفعلوا كل ما سبقت فعينت يدك ومشورتك أن يكون» (أع4: 27، 28). وفي هذا يعلق مرقس البشير على ذلك قائلاً: «فتم الكتاب القائل: وأُحصي مع أثمة»، مشيرًا إلى ما ذكره إشعياء 53: 12. ومن هذا نحن نتعلم أن النبوة تتم حرفيًا، في أدق التفاصيل. وليس كما يظن البعض ويريدون أن يوهمونا، أن النبوة تتم روحيًا. أمر يقييني نتمسك به ولا نتازل عنه، أن كلام الله هو من الدقة المتناهية في أكبر المسائل كما في أبسطها.

ثانيًا: إن مكان الوسط الذي اختاروه للمسيح هو مكانه الطبيعي. ومن الأهمية بمكان أن نذكر أن المسيح على صفحات الوحي يُذكر دائمًا أن مكانه في الوسط، يذكر عنه ذلك 12 مرة في الكتاب المقدس. ما كان يصلح له وهو السيد المجيد أن يشغل سوى مكان الوسط. ثم إنه باعتباره فادي الخطاة، الذي قَبِل أن يكون مخلصهم، كان في كل حياته محاطًا بالآثمين. ألم يقل مرة «لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى»؟ لذلك فلا عجب لهذا السبب ولذاك، أن يشغل المسيح مكان الوسط. ونحن إن كنا نتعجب إن الرب قَبِل وهو السماوي، أن يولد في مذود بيت لحم تحوطه البهائم، فإننا نتعجب أكثر أنه قَبِل وهو البار الذي لم يعرف خطية، أن يُعَلَّق على صليب الجلجثة يحوطه المذنبون والآثمون. تبارك اسمك يا ربنا: فأنت المخلص الذي لا نظير لتواضعك، أظهرت تواضعك العظيم في ولادتك، وخلاصك العظيم في موتك!

ثالثًا: أنه عندما صُلب في الوسط فقد قسم المذنبين قسمين، بل قسم العالم كله فريقين. فالكتاب المقدس يعلن أنه ليس من يعمل صلاحًا ليس ولا واحدٌ، ومع ذلك فإن الرب بصليبه قسم هؤلاء المذنبين إلى فريقين: فريق تائب عن خطاياه ومؤمن بشخصه الكريم فخلص بذلك من الهلاك الأبدي، وفريق آخر مذنب كالفريق الأول أيضًا، لكنهم رفضوا الإيمان به والتمتع بخلاصه، وينتظرهم العذاب الأبدي. والناس إن كانوا ينقسمون أقسامًا عديدة بحسب اختلاف نوع التقسيم، لكنهم أمام الأبدية فريقان: فريق المخلصين وفريق الهالكين. والمسيح بحسب لوقا 2: 34 يقسم البشر إلى فريقين؛ وكلمة الصليب، (أي البشارة بالمسيح المصلوب) تقسم البشر أيضًا إلى فريقين (1كو1: 18)؛ وأخبار الإنجيل أيضًا تقسم الناس إلى فريقين (2كو2: 15، 16). نعم لقد قسم ميلاد المسيح التاريخ إلى قسمين: قبل ميلاده وبعده، وقسم صليب المسيح البشرية إلى قسمين، من قَبِل عمله ومن لم يقبله.

يوسف رياض