(يو ٢١: ١٥-١٧)
يا له من سؤال رقيق لا يشوبه تبكيت ولا حتى عتاب، فليس أمامنا سوى همسات نعمة المسيح وهو يتلامس مع الضمير سائلاً: «يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا أَتُحِبُّنِي أَكْثَرَ مِنْ هَؤُلاَءِ؟»؛ أنا أعرفك باسمك وعائلتك وتاريخك، لكن أريد أن تُصرّح لي أن محبتك لي ما زالت أكبر من محبتك للآخرين، كل الآخرين.
لاحظ أنه أعاد السؤال ثلاث مرات حتى أنّ بطرس حزن من تكرار السؤال، لكن التصميم الذي في قلب بطرس على محبة سيّده كان كافيًا ليجعله يؤدّي دور الخادم والراعي الأمين لإخوته المؤمنين.
تعلّم بطرس أنّ مجرّد شغفه وتعلّقه ليس كافيًا لأنّ صوت السيّد كان يُهدهِد: أريدك أن تحبّني أكثر فتعيش لأجلي وتخدمني. أريد أن أكون محور قلبك وفكرك وحياتك، فهل ترعى رعيّتي وتُطعم أولادي وتحيا لي في كل صغيرةٍ وكبيرة؟
وسار بطرس في درب الخدمة، مختبرًا معنى الحياة في المسيح، وبالمسيح، وللمسيح، فعاش محبّة المسيح إلى المنتهى.
كان يُشجّع إخوته المؤمنين على اتّباع المسيح والإقتداء به في كل نواحي حياتهم (لوقا ٢٢: ٣٢). واستمر سمعان بطرس يمارس خدمته الرعويّة بأمانة وبعد نحو ثلاثين سنة كتب لرفاقه في الخدمة: «ارْعَوْا رَعِيَّةَ اللهِ الَّتِي بَيْنَكُمْ نُظَّاراً، لاَ عَنِ اضْطِرَارٍ بَلْ بِالاِخْتِيَارِ، وَلاَ لِرِبْحٍ قَبِيحٍ بَلْ بِنَشَاطٍ، وَلاَ كَمَنْ يَسُودُ عَلَى الأَنْصِبَةِ بَلْ صَائِرِينَ أَمْثِلَةً لِلرَّعِيَّةِ» (١بط٥: ٢, ٣).
تأمل ما كتبه في أواخر أيّامه: «وَلِهَذَا عَيْنِهِ وَأَنْتُمْ بَاذِلُونَ كُلَّ اجْتِهَادٍ قَدِّمُوا فِي إِيمَانِكُمْ فَضِيلَةً، وَفِي الْفَضِيلَةِ مَعْرِفَةً، وَفِي الْمَعْرِفَةِ تَعَفُّفاً، وَفِي التَّعَفُّفِ صَبْراً، وَفِي الصَّبْرِ تَقْوَى، وَفِي التَّقْوَى مَوَدَّةً أَخَوِيَّةً، وَفِي الْمَوَدَّةِ الأَخَوِيَّةِ مَحَبَّةً» (٢بط١: ٥-٧).
والآن: إليك أيها العزيز يا من اختبرت محبّة المسيح وعنايته وإقامته لك من سقطاتك، ليتك تكون أنت أيضًا عونًا للآخرين. هل تعضد وتُعزّي، تسند وتقوّي إخوتك لكي يتعظّم المسيح في حياتهم كما في حياتك؟ هل تسمع صوته العذب يهمس لك: أتحبني؟ ارع خرافي...