«لُوقَا وَحْدَهُ مَعِي ... الْجَمِيعُ تَرَكُونِي»
(٢تي٤: ١١، ١٦)
ربما ينظر البعض إلى نهاية حياة بولس على أنها نهاية مأساوية. فكيف بعد الخدمة الطويلة والمتفانية نقرأ أن جميع الذين في آسيا ارتدوا عنه، في احتجاجه الأول لم يحضر أحد معه، الجميع تركوه، ديماس قد تركه إذ أحب العالم الحاضر، كان مشتاقًا أن يرى تيموثاوس ابنه الحبيب والصريح في الإيمان، لكنه بالأسف لم يتحقق ذلك. فعندما وصل تيموثاوس إلى بولس في روما، كان بولس قد وصل إلى المجد.
لم يكن معه في سجنه سوى لوقا الطبيب الحبيب. كيف لهذا البطل أن يموت وهو في السجن وحيدًا بعيدًا عن أحبائه، لا يملك أي شيء، وحتى الرداء الذي كان يستعمله في الشتاء، وكان محتاجًا إليه لم يجده، إذ كان قد تركه في ترواس عند كاربس. ظلت الشوكة تلازمه في جسده الضعيف لآخر يوم في حياته.
لقد أفنى حياته في خدمة السيد، ولم تكن نفسه ثمينة عنده. ضحى بكل شيء واحتمل المشقات والمخاطر والآلام لأجل المسيح. فماذا كانت المكافأة؟ لقد قُطعت رأسه في السجن.
هل عُملت له جنازة ملكية تليق به، وهل حضر آلاف القديسين ليودعوا هذا البطل والرسول العظيم؟ لا نقرأ في الكتاب عن شيء من ذلك. ولا حتى ما حدث مع استفانوس الذي حمله رجال أتقياء وعملوا عليه مناحة عظيمة. بالتأكيد أن كثيرين قد شعروا بالخسارة الفادحة لرحيله، وبالتأكيد أن هذا حرك الكثيرين وأنهضهم، وبالتأكيد أن كثيرين قد ذرفوا عليه دموعًا غزيرة عندما سمعوا، لكن الواقع أنه في المشاهد الأخيرة كان وحيدًا.
لكن الحقيقة أن بولس رأى الأمور بشكل مختلف، وكان راضيًا تمامًا عن سني حياته وما أُنجز فيها، وأن المسيح قد تعظم في حياته وسيتعظم أيضًا في موته. لهذا وضع التقرير عن حياته قائلاً: «إِنِّي أَنَا الآنَ أُسْكَبُ سَكِيبًا، وَوَقْتُ انْحِلاَلِي قَدْ حَضَرَ. قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ الإِيمَانَ، وَأَخِيرًا قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ الْبِرِّ» (٢تي٤: ٦-٨).
وفي ذات الأصحاح الأخير من الرسالة الأخيرة يتكلَّم عن «الرب» ٦ مرات، وكأنه يراه كصاحب السلطان الذي له اليد العليا والكلمة الأخيرة، وهو يدير الأحداث كيفما شاء. فلا روما ولا الشيطان ولا كل قوات الجحيم تستطيع أن تعمل شيئًا واحدًا إلا ما يأمر به الرب.
ويختم الرسالة بقوله: «لَهُ الْمَجْدُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ. آمِينَ» (٢تي٤: ١٨). فما أمجد هذه النهاية!