ونحن في بداية عام جديد يطيب لنا أن نتحول إلى كلمة الله لنجد فيها العزاء والرجاء، والمشجعات الإلهية
نظرة إلى الماضي: حقًا ما أكثر إحسانات الرب علينا. قال إرميا النبي: «أردد هذا في قلبي، من أجل ذلك أرجو: إنه من إحسانات الرب أننا لم نفن، لأن مراحمه لا تزول، هي جديدة في كل صباح. كثيرة أمانتك» (مرا ٣: ٢١-٢٣). وقال داود في المزمور: «باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل حسناته» (مز ١٠٣: ٢). لاحظ أن داود لم يقل “اذكري يا نفسي كل حسنات الرب”، لأن هذا ضرب من المستحيل، فمن يستطيع أن يعد كل حسنات الرب تجاهه؟ بل من يستطيع أن يلم بها كلها؟ عن هذا قال داود أيضًا: «ما أكرم أفكارك يا ألله عندي! ما أكثر جملتها! إن إحصها فهي أكثر من الرمل» (مز ١٣٩: ١٧، ١٨). ومع أن يَتَعَذَّر علينا أن نتذكر كل حسنات الرب علينا، ولكن من العيب أننا ننسى كل حسناته، فنمسي متذمرين، الأمر الذي لا يُمَجِّد الرب (انظر عدد ١١: ١؛ ١كو ١٠: ١٠). على العكس من ذلك قال الرب: «ذابح الحمد يُمَجِّدني» (مز ٥٠: ٢٣). وإن كان أيوب استطاع وسط بلواه أن يقول للرب: «منحتني حياة ورحمة وحفظت عنايتك روحي» (أي ١٠: ١٢)، فكم بالأولى علينا نحن أن نشكره ولا ننسى جوده.
نظرة إلى الحاضر: لقد دخلنا بفضل الرب ورعايته إلى هذا العام الجديد ٢٠١٩ ونحن نجهل تمامًا ما قد نقابله فيه. لكن لنا الوعد أن الرب سيعتني بنا. يقول كاتب العبرانيين: «كونوا مكتفين بما عندكم»، ولم يُردف الرسول قائلاً: وإلا فإن الرب سيسحب بركاته منكم، بل يضيف: «لأنه قال لا أهملك ولا أتركك». ولمن قال الرب هذا الوعد؟ لقد قاله الرب ليشوع في القديم: «لا أهملك ولا أتركك» (يش ١: ٥)، لكن الرسول في تطبيقه لهذا الوعد لم يقصره على يشوع، بل أعطاها إتساعًا ليشمل كل أولاد الله، فأضاف قائلاً: «حتى إننا نقول واثقين. الرب معين لي فلا أخاف ماذا يصنع بي إنسان» (عب ١٣: ٦). ومن هذا نتعلم أن كل المواعيد التي قيلت لرجال الله قديمًا من حقنا أن نستفيد منها، وأن نطبقها على نفوسنا.
كم يملأ هذا الوعد قلوب أولاد الله بالثقة والسلام. فمع أننا لا نعرف ما قد يصادفنا في الغد، ولكننا نعلم عن يقين، أن الرب لن يتخلى عنَّا «أرجل أتقيائه يحرس» (١صم ٢: ٩). «إذا سقط لا ينطرح، لأن الرب مسند يده. أيضًا كنت فتى، وقد شخت، ولم أرَ صديقًا تُخلي عنه، ولا ذرية له تلتمس خبزًا» (مز ٣٧: ٢٤، ٢٥).
نظرة إلى الأمام: بقدر ما لنا مواعيد عظمى وثمينة في الحياة، فإننا نعرف من كلمة الله أن ما ينتظرنا هو الأفضل. يقول الرسول بولس: «فإن خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنا، قد تناهى الليل وتقارب النهار فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور» (رو ١٣: ١١، ١٢)؛ «لأنه بعد قليل جدًا سيأتي الآتي ولا يبطئ» (عب ١٠: ٣٧).
وهنا أحث القارئ العزيز إذ لم يكن قد تصالح مع الرب بعد، أرجوك ألا تؤجل هذا، ولا ليوم واحد. يقول الحكيم: «لا تفتخر بالغد، لأنك لا تعلم ماذا يلده يوم» (أم ٢٧: ١). ثم لماذا تُحزن قلب الرب الودود، الذي يريد أن يسعدك، وتظل متجاهلاً نداءه؟ أسرع ولا تتوان، فالأحداث من حولنا تصرخ أن الرب على الأبواب.
وبالنسبة لكل من تعرف على المسيح مخلصه، وتصالح مع الله، فإني أناشده، مستخدمًا كلمات الرسول بطرس: «أحسبوا أناة ربنا خلاصًا» (٢بط ٣: ١٥). عندما سمع العذارى صرخة نصف الليل، “هوذا العريس مقبل” (مت ٢٥: ٦)، قامت جميع أولئك العذارى وأصلحن المصابيح. ولا شك أن هناك الكثير في حياتنا الفردية والعائلية والكنسية يحتاج أن نصلحه. وهو ما أتمناه لكل شعب الله.
وفي الختام، وأمام شر الأيام، وانحراف المؤمنين الخطير عن الحق الإلهي، لا يسعنا إلا أن نفعل كما فعل النوتية في السفينة المسافرة ببولس إلى روما: الذين «رموا من المؤخر أربع مراس، وكانوا يطلبون أن يصير النهار» (أع ٢٧: ٢٩).
«آمين تعال أيها الرب يسوع» (رؤ ٢٢: ٢٠)