«وَيَكُونُ عِنْدَكُمْ
تَحْتَ الْحِفْظِ
إِلَى الْيَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ
مِنْ هذَا الشَّهْرِ.
ثُمَّ يَذْبَحُهُ كُلُّ جُمْهُورِ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ
فِي الْعَشِيَّةِ» (خر١٢: ٦)
يمثل خروج ١٢ نقطة تحول في تاريخ الشعب، ففي الأصحاحات السابقة نجد الشعب واقع تحت العبودية، وجاء الوقت ليتمتع بالحرية، وينشد نشيد الحرية (خر١٥). لذلك يضع الله في خروج ١٢ أساس فداء الشعب، “خروف الفصح” وقد تدرج الإعلان عن خروف الفصح في ثلاث مراحل، من النكرة إلى التعريف إلى التخصيص.
أولاً: مرحلة النكرة: «كَلِّمَا كُلَّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ قَائِلَيْنِ: فِي الْعَاشِرِ مِنْ هذَا الشَّهْرِ يَأْخُذُونَ لَهُمْ كُلُّ وَاحِدٍ شَاةً بِحَسَبِ بُيُوتِ الآبَاءِ، شَاةً لِلْبَيْتِ» (خر١٢: ٣):
يأتي الإعلان عن الشاة نكرة؛ «يَأْخُذُونَ لَهُمْ كُلُّ وَاحِدٍ شَاةً ... شَاةً لِلْبَيْتِ». وتتكرر كلمة “شَاة” مرتين، وذلك بالارتباط مع اليوم العاشر من هذا الشهر، الذي هو شهر “أبيب” الشهر السابع، الذي صار في تاريخه الجديد الشهر الأول. فبذلك صار بداية تاريخ جديد. “أبيب” معناه “السنابل الخضراء” أي بداية عمل الله، المرتبط بخير الإنسان، على أساس ظهور المسيح الذي قسم التاريخ، وابتدأ تاريخ جديد بمولده، ثم إتمام عمله على الصليب.
واليوم العاشر إثبات تام أن الإنسان تحت المسؤولية فشل تمامًا، لأن رقم عشرة هو رقم المسؤولية، فالوصايا كانت عشره، وقد جاء دور الله ليبرز لنا في المشهد الإنسان الثاني الرب من السماء (١كو١٥: ٤٧)؛ المسيح الذي لم يكن معروفًا لدى الإنسان، لكنه كان عند الله «مَعْرُوفًا سَابِقًا قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، وَلكِنْ قَدْ أُظْهِرَ فِي الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ مِنْ أَجْلِكُمْ» (١بط١: ٢٠).
ثانيًا: مرحلة التعريف: «وَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ صَغِيرًا عَنْ أَنْ يَكُونَ كُفْوًا لِشَاةٍ، يَأْخُذُ هُوَ وَجَارُهُ الْقَرِيبُ مِنْ بَيْتِهِ بِحَسَبِ عَدَدِ النُّفُوسِ. كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حَسَبِ أُكْلِهِ تَحْسِبُونَ لِلشَّاةِ» (خر١٢: ٤):
لقد عاش المسيح على أرضنا، وجاء الوقت ليُعلنه الله - عند نهر الأردن - باعتباره حَمَل الله الذي يرفع خطية العالم (يو١: ٢٩). لكن بكل آسف، قد ظُن البعض أنه ابن النجار، مستهزئين به (مت١٣: ٥٤-٥٨). وظن البعض الآخر أنه واحد من الأنبياء، يوحنا المعمدان أو إيليا أو إرميا (مت١٦: ١٣، ١٤). وصدق قول إشعياء النبي: «مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا، وَلِمَنِ اسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ الرَّبِّ؟» (إش٥٣: ١). لكن يفاجئنا إعلان الآب لبطرس عن هوية المسيح من هو «أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ» (متى ١٦: ١٥؛ قارن يو١: ٣٣، ٣٤). فقد كانت الشاة غير معروفة عند الشعب، إلى أن جاء الوقت ليضع يده على الشاة آخًذًا إياها، فقد صارت على مرمى عينيه. هكذا المسيح، المسيح المعروف سابقًا قيل تأسيس العالم عند الله، صار معروفًا لنا نحن المؤمنين بإعلان من الله الآب.
المرحلة الثالثة: مرحلة التخصيص: «تَكُونُ لَكُمْ شَاةً صَحِيحَةً ذَكَرًا ابْنَ سَنَةٍ، تَأْخُذُونَهُ مِنَ الْخِرْفَانِ أَوْ مِنَ الْمَوَاعِزِ» (خر١٢: ٤):
في المرحلة الأولى، كان المسيح غير معروف لنا، لكنه معروف عند الله. وفي المرحلة الثانية، عرفنا من هو المسيح، أي شخصه الكريم بصفته ابن الله الحي الأزلي. وهذا بمجرد إعلان من الآب لنفوسنا. وفي المرحلة الثالثة صار المسيح لنا، كما يقول: «تَكُونُ لَكُمْ شَاةً» أو “تكون شَاتَكم”؛ وهنا نجد تخصيص المسيح، لا في شخصه فقط، بل في عمله لأجلي على الصليب، لأن الشاة التي صارت لي سوف تؤخذ من الحفظ إلى الذبح لأجلي. وهذا يتفق مع قول الرسول بولس عن المسيح: «مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ، فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي» (غل٢: ٢٠).
هَلْ قَدْ ذُبِحْتَ مِنْ أَجْلِي
وَذُقْتَ أَهْوَالَ الصَّلِيبْ؟
وَهَلْ حَنَيْتَ رَأْسَكَ
لِتَحْمِلَ عَارِي الْمُذِيبْ؟
عَنِّي أَنَا ... نَعَمْ عَنِّي
حُبُّهُ لِي سَامٍ عَجِيبْ
يَشْدُو بِهِ تَرَنُّمِي
إِذْ قَدْ فَدَانِي بِالصَّلِيبْ