في مدة الطوفان كان كل شيء يتحطم على الأرض وينتهي، لكن في نفس الوقت كان الفُلك يُحمَل بمَن فيه على وجه المياه (تك7: 18). في الدينونة القادمة سوف يُرفَّع ويُمجَّد اسم المسيح عاليًا «لِذَلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ، لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ» (في2: 9- 11). وأيضًا سيُرفَّع جميع الذين ارتبطوا به واحتموا فيه «أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الْقِدِّيسِينَ سَيَدِينُونَ الْعَالَمَ؟» (1كو6: 2).
تعاظمت المياه كثيرًا جدًا على الأرض، مئة وخمسين يومًا، فتغطت جميع الجبال الشامخة التي تحت كل السماء، ومات كل ذي جسدٍ كان يدب على الأرض، من الطيور والبهائم والوحوش، وكل الزحافات التي كانت تزحف على الأرض، وجميع الناس، فمحا الله كل قائم كان على وجه الأرض: الناس، والبهائم، والدبابات، وطيور السماء. فانمحت من الأرض، وبقى نوح والذين معه في الفلك فقط.
بعد أن انتهت فترة الطوفان وهدأت المياه وانسدت ينابيع الغمر العظيم وطاقات السماء، ورجعت المياه عن الأرض رجوعًا متواليًا، أرسل نوح الغراب الذي خرج مترددًا، ثم أرسل الحمامة فلم تجد مقرًا لرِجلها. الأول من الطيور النجسة، والثانية من الطيور الطاهرة والفروق بين الاثنين كثيرة. ولكن الفرق العام والبارز هو أن كل طائر نجس يتغذى على الجيف العفنة أو ما شابه ذلك. أما الطائر الطاهر فهو يعاف الجيف ويتغذى على بذور ماتت في الأرض وأُحيت بالقيامة (حشائش أو حبوب).
الطيور الطائرة في السماء، سواء كانت نجسة أو طاهرة، هي تشير إلى الطبيعة الروحانية. أما الغراب منها فهو يشير إلى الطبائع الروحانية النجسة.
وذلك الطائر النجس هو صورة للإنسان الطبيعي في خطاياه، الأمور الروحية لا تهمه، ودائرة الحياة لا تشغله، والأرض الجديدة لا تجذبه، لكنه يأتلف بسرعة مع مشهد الموت، أما ورقة الزيتون الخضراء فلا يفهم فيها ولا تستهويه. وخلاصة القول: إن أقصى تطلع للغراب هو أن يجد جيفة عفنة مطبوعة بطابع الدينونة ليتغذى عليها. وليس في العالم شيءٌ يُقال عنه أكثر من جيفة ميتة عفنة.
أُطلق الغراب من الفلك فوجد نفسه في مكانه الطبيعي، طعامه يطفو بوفرة على سطح المياه. شيء بلا حدود، لكنه ناتج من دينونة الطوفان، ومثل هذا سوف يحدث عن قريب. فبعد أن تُختطف الكنيسة وتأتي ضيقة يعقوب (المُمثلة في الطوفان)، والتي سوف تعم كل العالم، وقبل بداية المُلك الألفي، سوف تُبسط أمام طيور السماء وليمة عظيمة (عشاء الإله العظيم)، فيها لحوم ملوك وقواد وأقوياء وعبيد وأحرار - صغارًا وكبارًا - لحوم الأشرار والمقاومين للإله العظيم (رؤ19). بعد ذلك يبدأ عصر جديد يغيب منه الشيطان وجنوده إلى زمان يستمر لألف سنة.
أما الحمامة فلم تجد مستقرًا لها، فعادت إلى الفلك حتى تبلغ الدينونة منتهاها وتفعل فعلها الرهيب. والحمامة هي طير القداسة والمحبة، وترمز إلى الروح القدس؛ روح القداسة الذي لا يجد راحته ومستقره إلا في نفوس تطهرت بالإيمان (بعد انقضاء دينونة الصليب). خرجت الحمامة مرة أخرى من الفلك، فرجعت وفي فمها ورقة زيتون خضراء تؤكد انتهاء الدينونة وبداية عصر السلام مع الله.
شجرة الزيتون رمز عظيم، وأعظم ملامحها هو الزيت. هي وعاء الشهادة. زيتها شفاء ونور، هكذا كان يُوضع الزيت على المُتطهر بعد الغسل وبعد الدم (لا14).
وشجرة الزيتون قشرتها مرّة، ولكن خشبها جميل. تنمو في الأرض المجدبة، لكنها دائمًا خضراء.
أيها الأحباء: كم أمضى الرب يسوع على جبل الزيتون أكثر وأقدس أوقاته. ولعلنا نتذكر أيضًا جثسيماني “معصرة الزيت” الذي له معناه عندنا نحن المؤمنين.
(يتبع)