أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد نوفمبر السنة 2015
بركات التوبة
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة
«وَأَعْطَاهُمْ يُوسُفُ عَجَلاَتٍ ... وَأَعْطَاهُمْ زَادًا لِلطَّرِيقِ. 
وَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حُلَلَ ثِيَابٍ» (تك٤٥: ٢١، ٢٢)

التوبة ليست مجرد الاعتراف بالخطأ أو الشعور بالندم، لكنها اتضاع وانسحاق وإدانة للذات. إنها تغيير في الفكر والنظرة والقناعات والقرارات والمسارات بالكامل. وفي معاملات يوسف مع إخوته لكي يقتادهم إلى التوبة نرى صورة لمعاملات الرب مع النفوس، وكيف يُضيِّق عليهم لكي يشعروا. وقد نجح يوسف في إنهاض ضمائر إخوته وإشعارهم بالذنب الذي اقترفوه، فقالوا: «حَقّاً إِنَّنَا مُذْنِبُونَ إِلَى أَخِينَا ... هُوَذَا دَمُهُ يُطْلَبُ ... وَبِمَاذَا نَتَبَرَّرُ؟ اللهُ قَدْ وَجَدَ إِثْمَ عَبِيدِكَ». لقد انسحق يهوذا أمام يوسف، ووضع نفسه محل بنيامين عبدًا للأبد، ليصعد الغلام مع إخوته إلى أبيه، مُبرهنًا على أنه يحب أخاه ويحب أباه. وعندما رأى يوسف أن المعاملات أثمرت توبة حقيقية أطلق صوته بالبكاء، كاشفًا قلبه الرقيق. ويمكننا أن نرى البركات التي تحققت نتيجة التوبة فيما قاله وعمله يوسف مع إخوته بعد ذلك على النحو التالي:

* عرَّفهم بنفسه بشكل صحيح. «أَنَا يُوسُفُ أَخُوكُمُ»، ليس المفقود ولا الذي افتُرس افتراسًا، بل «الَّذِي بِعْتُمُوهُ إِلَى مِصْرَ». إنه لا يزال يُحبهم رغم شرهم. لقد وجدوا أنفسهم أمام الديان فارتاعوا منه، لكنه طمأنهم أنه قد صفح عما مضى. ثم عالج الشعور بالذنب قائلاً: «لاَ تَتَأَسَّفُوا وَلاَ تَغْتَاظُوا لأَنَّكُمْ بِعْتُمُونِي إِلَى هُنَا». فبعد الحصول على الغفران لا مجال للشعور بالذنب.

* «لأَنَّهُ لاسْتِبْقَاءِ حَيَاةٍ أَرْسَلَنِيَ اللهُ قُدَّامَكُمْ ... لِيَسْتَبْقِيَ لَكُمْ نَجَاةً عَظِيمَةً». إنه صورة للمُخلِّص العظيم الذي يُنجي من الهلاك، والذي قال: «أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ».

*«اصْعَدُوا إِلَى أَبِي ... وَتُخْبِرُونَ أَبِي بِكُلِّ مَجْدِي فِي مِصْرَ». فالذي تمتع بالخلاص يُقدِّم السجود الذي يُفرِّح الآب. «وَتَكُونَ قَرِيبًا مِنِّي»؛ امتياز الشركة والقرب من الرب دون انفصال. «وَأَعُولُكَ هُنَاكَ»، فالرب مسؤول عن تسديد كل الأعواز والاحتياجات.

* «وَقَبَّلَ جَمِيعَ إِخْوَتِهِ»، والقبلة تعني المصالحة والحب والقبول. وقال لهم: «وَلاَ تَحْزَنْ عُيُونُكُمْ عَلَى أَثَاثِكُمْ، لأَنَّ خَيْرَاتِ جَمِيعِ أَرْضِ مِصْرَ لَكُمْ». ونحن لنا ميراث لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل، ولنا وطن أفضل أي سماوي.

* أعطاهم العجلات الملكية التي تحملهم وتصحبهم في الرحلة، وفي الوقت نفسه تحمل الدليل على أن يوسف حي بعد ومتسلط على كل أرض مصر. إنها ترمز للروح القدس الذي يشهد للمسيح المُمجَّد. وأعطاهم حلل ثياب وهي صورة للبر العملي. كذلك أعطاهم زادًا للطريق، وهو صورة لكلمة الله التي نتغذى بها في رحلتنا نحو السماء
محب نصيف