أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد نوفمبر السنة 2015
رجال جدعون وثلاثة امتحانات مفاجئة
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

«وَقَالَ الرَّبُّ لِجِدْعُونَ: لَمْ يَزَلِ الشَّعْبُ كَثِيرًا. انْزِلْ بِهِمْ إِلَى الْمَاءِ فَأُنَقِّيَهُمْ لَكَ هُنَاكَ» (قض٧: ٤)

كل طالب يقرأ هذه المقالة يعرف معنى امتحانات نصف العام وامتحانات آخر العام. وبالرغم من كونها ليست تجربة ملذة، إلا أنها أيضًا ليست سيئة للغاية. بالتأكيد يُصاحبها ضغوط وخوف من الفشل، لكن على الأقل يمكنك الاستعداد ذهنيًا ونفسيًا لامتحانات لها توقيت مُحدد وجدول مُرتب، معروفان مُسبقًا. أما ما يزعج حقًا فهي تلك الامتحانات المفاجئة التي يباغتك بها بعض المدرسين! فتلك الامتحانات لا شك مخيفة.

إلا أن من وجهة نظر المُعلِّمين فإن تلك الامتحانات المفاجئة هي بالفعل كاشفة. بالتأكيد يمكنهم من خلالها الفصل بين الطلاب المجتهدين، وبين طلاب الاجتهاد في آخر دقيقة! إنها تبرز الاختلاف في توجه الطلاب تجاه معلميهم، وكذا تجاه دراستهم. نعم، إن تلك الامتحانات المفاجئة مُعبّرة جدًا عمَنْ هو هذا الطالب، وإلى أين يذهب. هذه الامتحانات المفاجئة تُسقط الأقنعة التي يرتديها طلاب كثيرون!

مدرسة الله

هل تعلم أن الله يُعطي امتحانات مفاجئة؟ كل مؤمن في طريقه للنضج والبلوغ هو طالب في مدرسة الله، والمُعلِّم في تلك المدرسة يتبع سياسة الامتحانات المفاجئة ليُقيس درجة إيماننا. أحيانًا تكون اختبارات صغيرة، وأحيانًا أخرى تكون حقًا كبيرة. يمكن أن تتم في أي مكان وفي أي من مواقفنا اليومية. هذه الامتحانات مفاجئة جدًا لدرجة أننا مرارًا كثيرة لا نعلم أننا امتُحنا. لكن الله يعلم، وهو يراقب ليرى كيف نعمل. إنه معنيٌّ بجديتنا في “الدراسة" في مدرسته”، وكذلك بتوجهنا ناحيته.

في قضاة ٧ نجد تقريرًا عن بعض الامتحانات المفاجئة التي أعطاها الله للبعض من شعبه أيام جدعون. لقد حكم القضاة إسرائيل قبل وقت الملوك، وكان جدعون أحد القضاة الذين استخدمهم الله ليُخلِّص إسرائيل من المديانيين. كان المديانيون من أعداء إسرائيل الذين سكنوا الناحية الشرقية من الأردن، وكانت لهم طريقتهم الفريدة في الإبقاء على خضوع إسرائيل. كل سنة في وقت الحصاد كانت حشود من المديانيين راكبي الجمال تهجم عبر الأردن إلى محلة الإسرائيليين. كانوا يخربون الأرض، آخذين ما يريدون من المحاصيل، ويُتلفون الباقي منها. وكذلك أخذوا كل الغنم والبقر والحمير التي وقعت عليها عيونهم.

هذه الغارات استمرت لسبع سنوات على التوالي. فلا عجب أن العديد من الإسرائيليين اختبأوا في الكهوف التي في الجبال والمغاير عند اقتراب المديانيين، ولا عجب أنهم صرخوا أخيرًا للرب (قض٦: ١-٦). لاحظ أن الرب سمح لإسرائيل أن ينهزم أمام المديانيين بسبب خطيتهم. وأخيرًا - بعد سبع سنوات من التأديب - تعلم إسرائيل الرسالة، والتفت إلى الرب ثانية. إن تأديب الله لشعبه اليوم، كما في أيام جدعون، هو دائمًا يهدف أن يُعيد القلوب التائهة ثانية إليه (عب١٢: ٣-١١).

الامتحان المفاجئ الأول:

مَنْ يستجيب؟

إن الامتحان المفاجئ الأول الذي أعطاه الله لشعبه يمكن أن يُسمى امتحان “مَنْ يستجيب؟”. لقد غزا المديانيون عبر الأردن في حصاد السنة الثامنة على التوالي للسطو عليه (قض٦: ٣٣). وبقوة روح الرب أرسل جدعون استدعاءً للشعب ليأتوا ويحاربوا العدو. هذه النداءات كانت دعوة من الله. لقد وصل الطلب إلى عائلة جدعون الأبيعزري أولاً، ثم إلى سبطه من إسرائيل؛ منسى، وأخيرًا إلى الأسباط المحيطة؛ أشير وزبولون ونفتالي (٦: ٣٤، ٣٥).

استجاب الكثيرون للدعوة، لكن ليس الكل. بالتأكيد كان هناك أناس أكثر من الإثنين والثلاثين ألفًا الذين استجابوا لدعوة الله في تجمع الأسباط منسى وأشير وزبولون ونفتالي (قض٧: ٥). وعلى الأرجح كان هناك العديد من الأسباب التي تبدو مفهومة، والأعذار التي تبدو واضحة لرفض الدعوة: “أمرٌ ميؤوس منه!” ... “لماذا أخضع لجدعون؟” ... “دع باقي الأسباط تحمل نصيبها المحق من الحِمل والمسؤولية!” ... “أنا مشغول جدًا في تدعيم مخبأي في الجبال!”

إن اختبار “مَنْ يستجيب؟” ما زال يُقدم لشعب الله اليوم. وعدو نفوسنا يتلف الأرض حولنا. فيعمل الشيطان في مدارسنا وأشغالنا وجيراننا وبيوتنا. والقيم الأخلاقية والحق أصبحت أعلى من أن نصل إليها. لكن دعوة الله تخرج إلى كل مؤمن نامٍ لينضم إلى المعركة. إن الدعوة لا تقتصر على الإرساليات الأجنبية فحسب، أو على أولئك المنخرطين في الخدمة، بل هي لنا جميعًا.

ماذا نحن فاعلون لمحاربة العدو في المكان الذي نوجد فيه؟ هل نُعين في جهاد الشهادة المسيحية في الجامعة أو في العمل أو في البيت؟ أم أننا نهرب إلى مخابئ التقهقر والتراخي؟ هل اشتركنا في دراسة الكلمة التي بها يحاول البعض مثل جدعون أن يبدأ في العمل؟ أم أننا نراقب المحاولة من أمن كهوف عدم التكريس التي اختبأنا بها؟ إن رفضنا التجاوب مع الدعوة، فلن يستمر العدو في عمله المُدَمِّر فقط، بل أيضًا نخفق في واحد من امتحانات الله المفاجئة لنا.

الامتحان المفاجئ الثاني:

مَنْ هو خائف؟

الامتحان المفاجئ الثاني أُعطى لجدعون واتباعه (قض٧: ١- ٣)، ويمكن تسميته امتحان: “مَنْ هو خائف؟” أُعطي هذا الاختبار عندما أتى جدعون بجنوده إلى وادي يزرعيل حيث خيمت جيوش العدو. من الجبال المحيطة بالطرف الجنوبي لهذا الوادي الفسيح كان يمكن رؤية خيام المديانيين ممتدة أسفلهم. كانت فرق العدو كثيرة جدًا حتى إنهم شابهوا الجراد الذي يغطي الأرض، والرمل الذي على شاطئ البحر (قض٧: ١٢).

تخيل نفسك كواحد من المُجندين الإسرائيليين، وأنت ترى العدو لأول وهلة. ربما تقول: “ما هذا الذي أُدخلت نفسي إليه؟” ... “لم أكن أعرف ما دُعيت لعمله!” ... “إني مستعد للخروج من الكهف، لكن ليس لأواجه هذا كله!” ... “سأهرب من الخدمة في أول فرصة ممكنة!” حسنًا، لم يكن على رجال جدعون أن ينتظروا طويلاً قبل أن تأتيهم الفرصة للانسحاب والعودة إلى بيوتهم. إذ قال الرب أن كل خائف يمكنه الانسحاب فورًا. واستغل أكثر من ثلثي جيش جدعون كلمة الرب! وقلما لاحظوا أنهم أخفقوا في امتحان مفاجئ.

لا يزال الرب يُقدم امتحان: “مَنْ هو خائف؟” كمقياس لإيماننا. إنه لا يُجبرنا على الحرب طالما نحن نريد التقهقر إلى مخابئنا في الجبال. لكنه يمتحننا بالفعل؛ هل نحن مستعدون للوقوف في صف الله عندما يواجهنا العدو؟ هل نقف، وربما نقف بمفردنا من أجل حق الإنجيل في مدارسنا أو أشغالنا، حتى لو كان هذا يعنى تقديرًا أقل أو إلغاء للترقية أو العار؟ هل نقف في صف القيم الأخلاقية الكتابية سواء في البيت أو في العمل، حتى وإن كان كل الآخرين لا يعيروها اهتمامًا؟ إن هذا لا يستلزم الشجاعة فحسب، بل أيضًا هو امتحان للإيمان من وراء تلك الشجاعة.

الامتحان المفاجئ الثالث:

مَنْ هو يقظ؟

في قضاة ٧: ٤- ٧ نجد امتحانًا مفاجئًا آخر أعطاه الرب لتابعي جدعون؛ امتحان “مَنْ هو يقظ؟” هذا الامتحان أُعطي للعشرة آلاف الجندي الشجاع الذين “تمسكوا بمكانهم” حتى بعد الامتحانين المفاجئين الأولين. جرى هذا الاختبار الثالث عند نبع المياه حيث كانوا مخيمين. لم يكن ليخطر ببال رجال جدعون أنهم كانوا يُمتحنون بشيء في بساطة طريقة شربهم للماء. لكن الطريقة التي أطفأوا بها ظمأهم كانت في غاية الأهمية؛ فقد كانت دليلاً على يقظتهم للعدو. إن نزلوا على أطرافهم الأربعة بلا اكتراث ليحنوا رؤوسهم وأفواههم إلى المياه الباردة، كان هذا دليلاً واضحًا جدًا على أنهم مهتمون بتسديد احتياجاتهم المريحة، أكثر من اندماجهم في الحرب. من الناحية الأخرى، من رفعوا المياه في كفوف أياديهم إلى أفواههم، حتى يتسنى لهم رؤية العدو في الوقت نفسه، فهذا دليل على يقظتهم وأنهم كانوا مستعدين للتحرك السريع للمعركة. فقط ثلاثمائة رجل هم من نجحوا في هذا الامتحان؛ فقط ٣٪!

واليوم ما أقل نسبة المؤمنين الذين ينجحون في اختبار “مَنْ هو يقظ؟” فإذ يواجهنا العدو، ترانا مشغولين بأنفسنا وباحتياجاتنا أكثر من محاربة حروب الرب. تُحذرنا كلمة الله في أفسس ٦: ١٠-١٨ من أننا في حرب روحية خطيرة، وعلينا ألا نخفق في اليقظة. لن نكون يقظين إن كنا مشغولين براحتنا الجسدية أكثر من حالتنا الروحية. ولن نكون يقظين إن كنا مشغولين بتقدمنا في هذا العالم، عن تقدم العدو وتغلغله في مدارسنا أو أشغالنا أو أسرنا أو من لنا شركة معهم. لم تنتصر قط النوايا الحسنة في أية معركة، ولا نجحت في أي امتحان مفاجئ! وكما في أيام جدعون فالطريقة التي نسدد بها احتياجاتنا الأساسية لهى دليل أكيد على قامتنا الروحية وهل ننجح في امتحان “مَنْ هو يقظ؟”

كان رجال جدعون الثلاثمائة الذين نجحوا في الامتحانات الثلاثة هم جيش صغير – أقل بكثير من ١٪ من المائة وخمس وثلاثون محارب في جيش العدو (قض٨: ١٠). يمكننا تخيل ذهول جدعون وإيمانه بالله وهو يخفض جيشه إلى مجرد حفنة من الرجال. على الأرجح تنفس جدعون الصعداء حينما توقف الله أخيرًا عن القول “هذا العدد كبير!” لكن كيف لزمرة من الرجال بأبواق ومصابيح أن تهزم ١٣٥٠٠٠ جندي كامل التسليح؟! لا توجد مشكلة! الله زائد أي شخص هو دائمًا الأغلبية!

مَنْ نجحوا؟!

بقية الأصحاح السابع تشرح لنا كيف انتزع الرب النصر بالثلاثمائة رجل فقط الذين نجحوا في الثلاثة امتحانات المفاجئة. هذه دائمًا طريقة الله؛ اقرأها لتعلم كيف يستخدم الله الأمناء. إن جنوده المختارين هم تلاميذ في مدرسته، الذين تبرهن إيمانهم من خلال اجتيازهم امتحانات مفاجئة! هل أنت مستعد للنجاح في الامتحانات التي يعطيها الله لك؟

ديفيد ريد