أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - السجود
السنة 2006
تخبرون أبي بكل مجدي

هذه العبارة قالها يوسف لإخوته، وهو يرسلهم إلى أبيه، بعد أن عَرَّفَهم بنفسه، إذ كان متسلطًا على كل أرض مصر.

وقد أراد يوسف أن يُفرِح قلب أبيه بهذه الأخبار السارة، بعد أن كُسِرَ قلبه عليه، إذ حُرم منه لمدة اثنتين وعشرين سنة، واعتقد أن وحشًا رديئًا أكله، وأنه قد افتُرِس افتراسًا؛ ولم يخطر بباله قط أنه حيُّ بعد، وأنه سيراه مُمجّدًا في أرض مصر.

وعندما وصل الأولاد إلى يعقوب أبيهم في كنعان، وأخبروه بكل كلام يوسف، وأبصر العجلات الملكية التي أرسلها لتحمله إلى مصر، عاشت روح يعقوب. فإن أحلى وأعذب حديث ينعشه ويفرحه هو أن يسمع عن ابنه المحبوب، ابن شيخوخته، الابن المتميز في صفاته وأخلاقه، صاحب القميص الملون. الابن الذي أطاع وقَبِل الإرسالية، وتحمل الآلام الكثيرة في طريق الطاعة، واستحق أن يتمجد ويلبس البوص، ويوضع طوق الذهب في عنقه، وخاتم فرعون في يده، ويركب المركبة الملكية، وتركع أمامه كل أرض مصر.

ولم يكن يوسف إلا رمزًا لشخص الرب يسوع المسيح، وحيد الآب ومحبوبه قبل إنشاء العالم. الابن الذي أطاع وجاء إلى العالم متجسدًا، وسلك طريق الكمال الأدبي الفريد، واستطاع أن يقول للآب في آخر حياته «أنا مجدتك على الأرض. العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته» (يو17: 4). لقد توّج طريق الطاعة بموته فوق الصليب. لذلك رفَّعه الله أيضًا، وأعطاه اسمًا فوق كل اسم، لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومَن على الأرض ومَن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب (في2: 9-11).

ولأن الرب يسوع يحظى بهذه المكانة الرفيعة عند الآب، قبل التجسد وبعد التجسد، فإن سرور الآب الأعظم هو أن يرانا دائمًا نفكِّر في أمجاد ابنه الوحيد، ويكون هو موضوع شبعنا وفخرنا، وأن نحدثه عنه، مُعبِّرين عن تقديرنا وحبنا وإكرامنا له.

إن السجود الحقيقي يتلخص في هذه العبارة البسيطة التي قالها يوسف لإخوته: «تخبرون أبي بكل مجدي... وبكل ما رأيتم» (تك 45: 13).  إنه فيضان القلب بما تأثرنا به من إعلان الروح القدس عن شخص المسيح في روعته وجماله وكماله الفريد.  هذا ما عبَّر عنه المرنم بقوله: «أنت أبرع جمالاً من بني البشر» (مز45: 2).

إن الساجد هو شخص قد نسي نفسه وظروفه وأعوازه، وليس مشغولاً حتى بعطايا الله له، وإنما يفكر ويتأمل ويشبع بشخص المسيح، ويأتي إلى حضرة الله، وقد ملك المسيح على مشاعره، لكي يردده ترديدًا أمام الآب.  ويجب أن نعرف أن السجود ليس هو سرد معلومات أو حقائق عن المسيح وأمجاده، وإنما التعبير عن فكرة أو لمحة من هذه الأمجاد لمس الروح القدس بها قلوبنا، فتحركت عواطفنا حبًّا وإعجابًا.  وكم يحلو لنا أن نستعرض أمجاد هذا الشخص الفريد والتي تشمل:

1- أمجاده الإلهية 2- أمجاده الأدبية  3- أمجاده الاكتسابية
1- أمجاده الإلهية
وقد أبرزها لنا البشير يوحنا بصفة خاصة. ففي بداية إنجيله قال عنه: «وحلَّ بيننا، ورأينا مجده مجدًا كما لوحيد من الآب» (يو1: 14). «فهو الابن الوحيد الذي في حضن الآب» (يو1: 18)، محبوبه قبل إنشاء العالم (يو17: 24). «ابن محبته» (كو1: 13)، الذي منذ الأزل كان عنده صانعًا، وكان كل يوم لذته، الفرحة دائمًا قدامه (أم 8: 30)

في علاقته باللاهوت: هو «صورة الله غير المنظور» (كو1: 15)، الممثِّل لله والمُعلِن له. هو «الكلمة» (يو1: 1) المعبِّر والتعبير عن الله.  «هو بهاء مجده ورسم جوهره» (عب1: 3).

وفي علاقته بالزمن: هو الأزلي والأبدي، «في البدء كان الكلمة» (يو1: 1). «هو قبل كل شيء» (كو1: 17). «مخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل» (مي5: 2). يقول عن نفسه: «منذ وجوده أنا هناك» (إش48: 16). وأيضًا «منذ الأزل مُسِحت... لما ثبَّت السماوات كنت هناك أنا» (أم8: 23-30). وقال لليهود: «قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن» (يو8: 58). وقال ليوحنا «أنا الحي وكنت ميتًا، وها أنا حي إلى أبد الآبدين» (رؤ1: 18).

وفي علاقته بالخليقة: هو «بكر كل خليقة» (كو1: 15)، أي صاحب السمو عن كل الخليقة لأنه هو الخالق. «فإنه فيه خُلِقَ الكل» (كو1: 16). «كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان» (يو1: 3). «كُوِّنَ العالم به» (يو1: 10).  يقول له الآب «وأنت يا رب في البدء أسست الأرض، والسماوات هي عمل يديك. هي تبيد، ولكن أنت تبقى» (عب1: 10، 11). وفى تسبحة الشيوخ للجالس على العرش في السماء يقولون: «أنت خلقت كل الأشياء وهي بإرادتك كائنة وخُلِقَتْ» (رؤ4: 11). وليس فقط أنه أتقن العالمين بحكمته، لكنه يحملها بقدرته (عب1: 3). «وفيه يقوم الكل» (كو1: 17).
يا سيدي لما أرى نجومك
  وكل ما يدور في الأفلاك

 


أسمع صوت الرعد في غيومك
  وكلها قد صنعت يداك

نفسي تغني يا مخلصي
  ما أعظمك ما أعظمك!

وفي علاقته بالملائكة: هو «الصانع ملائكته رياحًا، وخدامه لهيب نار» (عب1: 7). هو أعظم من الملائكة، لأنه «لمن من الملائكة قال قط أنت ابني أنا اليوم ولدتك» (عب1: 5)، و «لمن من الملائكة قال قط اجلس عن يميني» (عب1: 13). وأيضًا يقول «ولتسجد له كل ملائكة الله» (عب1: 6).

وفي علاقته بالآب: هو «الابن الوحيد». فالآب يحب الابن.  والابن هو المعادل للآب فقد قال: «أنا والآب واحد» (يو10: 30). وأيضًا «أبي يعمل... وأنا أعمل... معادلاً نفسه بالله» (يو5: 17،18).  وأيضًا: «الذي رآني فقد رأى الآب» (يو14: 9)، وقال لليهود: «الذي يراني يرى الذي أرسلني» (يو12: 45).  وهو الذي يمثله تمثيلاً كاملاً وهذا يتضح في مثل الكرم والكرامين. فبعد أن أرسل صاحب الكرم عبيدًا، أرسل ابنه الوحيد قائلاً لعلهم يهابونه (لو20: 13).

وفي علاقته بالروح القدس: فهو الذي «يعمِّد بالروح القدس» (مت3: 11). وهو الذي يعطي الروح القدس، الماء الحي (يو4: 10، 14). وقد قال للتلاميذ: «متى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب، روح الحق... فهو يشهد لي» (يو15: 26). فمَنْ يملك أن يرسل ويعطي الروح القدس إن لم يكن أقنومًا إلهيًا معادلاً ومساويًا له تمامًا.

وفي علاقته بالإنسان: «لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة» (غل4: 4). «الكلمة صار جسدًا وحلَّ بيننا» (يو1: 14). لقد خرج من عند الآب وأتى إلى العالم (يو16: 28). «الله ظهر في الجسد» (1تي3: 16). وعندما جاء إلى العالم كإنسان، «فيه سُرَّ أن يحل كل الملء» (كو1: 19). أي أن كل صفات وأمجاد اللاهوت كانت، وبسرور، تحل في المسيح وهو إنسان على الأرض. وإنما هذه الأمجاد الإلهية كانت مستورة خلف حجاب الناسوت، وكانت بين الحين والحين تشع مُبرهنة على حقيقة شخصه أنه الله الظاهر في الجسد.

لقد وُلد طفلاً في مزود، لكنه حمل الأسماء والألقاب الإلهية.  لذلك فليس غريبًا أن جاء المجوس من المشرق ليسجدوا له وهو طفل.
وفى حياته ظهرت الصفات الإلهية باعتباره كلي القدرة والسلطان والعلم والحضور وعدم التغيير والقداسة. كما أن له الأعمال الإلهية كالخلق والحفظ والإحياء والخلاص وغفران الخطايا والدينونة.  وأخيرًا نقول إن له الأمجاد الإلهية. فهو موضوع الإيمان (يو14: 1)، وهو غرض السجود. ففي حياته قُدم له السجود في عدة مناسبات، وهو قَبِلَ هذا السجود، مع أنه قال للشيطان في التجربة: «للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد». ذلك لأنه لم يكن مجرد إنسان.

وأمام هذه الأمجاد الإلهية حريٌّ بنا أن نركع ونسجد له، ونهتف مع من قال: «ربي وإلهي». ونقول مع المرنم:

لكن بمجدك الذي
  تعادل الآب به

نسجد بل طول المدى
  ننظر مجدك البهي

2- أمجاده الأدبية
وقد أبرزها لنا البشير لوقا بصفة خاصة، إذ حدثنا عنه كالإنسان الكامل. فهذه الأمجاد تتضمن صفاته الرائعة، وحياته الفريدة التي ظهرت هنا على الأرض، حيث في شخصه الفذ الفريد تجسم الكمال. فما أجمله!

* قالت عنه عروس النشيد «حبيبي أبيض». وهذا ما أشار إليه لوقا في إنجيله وهو يقدم لنا شخص المسيح، كالبوص المبروم، في ناسوت بلا خطية. ومن بداية قصته نسمع شهادة الملاك للعذراء المطوّبة عنه قائلاً «القدوس المولود منك يُدعى ابن الله» (لو1: 35). وعند موته شهد عنه قائد المئة قائلاً: «بالحقيقة كان هذا الإنسان بارًا» (لو23: 47). واجه كل تجارب الشيطان، ولم يوجد فيه سوى الكمال الرائع والفريد. وذلك بالمقابلة مع آدم الأول في الجنة الذي سقط مع أول سهم للعدو. إنه «الإنسان الثاني، الرب من السماء». فهو نوعية مختلفة ومن مصدر مختلف. فهل ليسوع من مثيل في الطهر والكمال؟!

* «رأسه ذهب إبريز». كيف كان يفكِّر وهو هنا على الأرض؟ كان يفكر في الآب كيف يرضيه ويُفرح قلبه، كيف يعمل مشيئته، كيف يكرمه ويمجده. وكان يفكر في الآخرين حوله كيف يُريح المتعبين، ويعزي النائحين، ويبشر المساكين، ويشفى المنكسري القلوب، ويرسل المنسحقين في الحرية. وكان يفكر في نفسه فكر النزول والاتضاع. فهو أخلى نفسه... صائرًا في شبه الناس. وعندما جاء كإنسان، لم يعش كأي إنسان، بل وضع نفسه، وعاش فقيرًا جدًا. في بداية خدمته جاع ولم يجد رغيف خبز، وفى النهاية عطش ولم يجد قطرة ماء. أخيرًا أطاع حتى الموت موت الصليب. كان يفكر في الكنيسة التي أحبها، وفى الحصاد الكثير الذي سيترتب على موته، ومن أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهينًا بالخزي فجلس في يمين عرش الله.  فما أكرم وأسمى أفكاره!

* «قصصه مسترسلة». إنه النذير الحقيقي الذي حفظ عهد انتذاره كاملاً. وهو الذي خضع واحتمل العار وكان هو المطيع الأعظم. كانت الطاعة مكلِّفة، لكنه قَطّ لم يتراجع. وكان طعامه أن يعمل مشيئة الذي أرسله ويتمم عمله. حتى لو اقتضت هذه المشيئة أن يُحرَم من أبسط الحقوق، ويعيش في أقسى الظروف، ويواجه كل التحديات والمقاومات. وفى كل هذا لم يشْكُ أو يتذمر، ولم يكل أو يخُر.

* «عيناه كالحمام». وقد أشار لوقا إلى عدة نظرات مُعبِّرة للرب يسوع، نذكر منها أنه:
- «نظر إلى المدينة وبكى عليها» (لو19: 41). إنها نظرة رثاء لهذه المدينة التي أحبها، لكنها رفضته، ولم تعرف ما هو لسلامها. لذلك نظر إلى هذه المدينة وأجهش بالبكاء، وهو يرى الأهوال التي ستأتي عليها.
- «ورأى أيضًا أرملة مسكينة ألقت هناك فلسين» (لو21: 2). إنها نظرة إعجاب وتقدير ومديح من رب الهيكل نفسه لهذه الأرملة المسكينة، التي من إعوازها ألقت كل المعيشة التي لها.
- « فالتفت الرب ونظر إلى بطرس» (لو 22: 61). إنها نظرة عتاب لذلك التلميذ العاثر الذي أنكره. لكنها في نفس الوقت نظرة الحنان الغافر والساتر.  فما أرق نظرات عينيه!

* «شفتاه سوسن تقطران مرًا مائعًا». لقد انسكبت النعمة على شفتيه. وكان الجميع يشخصون إليه ويتعجبون من كلمات النعمة الخارجة من فمه. وقال عنه الخدام الذين صعدوا ليمسكوه: «لم يتكلم إنسان قط مثل هذا الإنسان» (يو7: 46).

* «يداه حلقتان من ذهب مرصعتان بالزبرجد». وبهاتين اليدين صنع الخير العظيم للجميع، سواء الأحباء أو الأعداء.

* «بطنه عاج أبيض مغلف بالياقوت الأزرق». وهنا نرى عواطفه وحنانه وأحشاءه. لقد تميزت بالنقاء العجيب، كما تميزت بالطابع السماوي الفريد. فكم مرة تحنن وأشفق، وكم مرة تحركت عواطفه وفاضت دموعه. وكم مرة نراه يئن ويتنهد بروحه. فقد كان رقيق المشاعر، مرهف الإحساس.  ظهر حنانه نحو الخطاة. فكان يقبل خطاة ويأكل معهم. وكان جميع العشارين والخطاة يدنون منه ليسمعوه.  وظهر حنانه نحو المرضى حيث ترفق بكل عانٍ وسقيم.  كذلك نحو الحزانى والمجربين، إذ مسح الدمع السكيب من عيون البسطاء، نازعًا حزن الحزانى زارعًا فيهم عزاء.  وأيضًا نحو العاثرين والساقطين. مثلما فعل مع يوحنا المعمدان يوم شك فيه، ومع بطرس يوم أنكره.  حتى نحو يهوذا الخائن أظهر منتهى الحب والحنان لآخر لحظة.  فهل ليسوع من مثيل في الحب والحنان؟!
وأمام كل هذه الأمجاد الأدبية، سواء في حياته أو في آلامه وموته، لا يسعنا سوى أن نسجد له إعجابًا وتقديرًا وحبًا، فهو يستحق، كما فعلت مريم أخت لعازر، أن نسكب طيبنا على قدميه.  وكم يسرّ الآب أن يرانا كعائلة كهنوتية، في مكان مقدَّس، نفُتّه فُتاتًا، ونتفرس في تفاصيل حياته الرائعة، ونحدّثه عن هذه الكمالات الأدبية التي تأثّرنا بها.  فهذا هو طعام الله وسروره.
3- أمجاده الاكتسابية
وهى الأمجاد التي كافأه بها الآب، كإنسان، بعد أن أكمل عمل الصليب. لقد مجَّد المسيح الآب بحياته القدسية الكاملة على الأرض، ومجد الله بموته فوق الصليب، «وإن كان الله قد تمجَّد فيه، فإن الله سيمجده في ذاته، ويمجده سريعًا» (يو13: 32).

- لقد أقامه من الأموات مستعرضًا شدة قوته (أف1: 20). فإن بر الله نحو المسيح اقتضى أن يُقيمه من الأموات، ويُرفِّعه بعد أن أكمل عمل الفداء، ووفَّى كل مطاليب عدل الله.

- «أجلسه عن يمينه في السماويات» (أف1: 20).  فالذي رُفض وأُهين واحتُقر في الأرض، قد قبلته السماء ورحبَّتْ به. وهو هناك جالسٌ في عرش أبيه وعن يمينه، في مكان الإعزاز والكرامة والقوة.

- لقد «مضى إلى السماء، وملائكة وسلاطين وقوات مخضعة له» (1بط3: 22)، وصار أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث اسمًا أفضل منهم (عب1: 4). لأنه «لمن من الملائكة قال قط: اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئًا لقدميك» (عب1: 13).

- إن الذي وُضع قليلاً عن الملائكة يسوع، نراه مكللاً بالمجد والكرامة (عب2: 9).

- «فوق كل رياسة وسلطان وقوة وسيادة، وكل اسم يُسمَّى، ليس في هذا الدهر فقط بل في المستقبل أيضًا، وأخضع كل شيء تحت قدميه، وإياه جعل رأسًا فوق كل شيء للكنيسة التي هي جسده، ملء الذي يملأ الكل في الكل» (أف1: 21-23).
هذا المجد الذي للمسيح كإنسان، هو مستور في الله الآن، ونحن بالإيمان نراه. 
وهذا المجد الذي يعلنه الروح القدس لنا هو أيضًا باعث للسجود. فعندما ندرك كرامته وأمجاده هناك، وتقدير الآب له، سنعرف حق قدره.  وكم نفرح أن نرى مَنْ أحبنا، ومَنْ تحبه نفوسنا، المُهان من العالم والمرفوض والمحتقر، قد رفَّعه الله، ومجده، وهو هناك يحظي بهذه المكانة الرفيعة فوق جميع السماوات.  وتردِّد السماء مدحَ ما فعل.
وعندما يأتي لاختطاف الكنيسة (العروس)، سنراه بالعيان في جماله العجيب، ونرى أمجاده، ونظل للدهور شاكرين حبه.

هناك لا يكون ضعفٌ في السجودْ
  لما نرى الأمجادَ في وجهِ الحبيبْ

ولا يكون في المشاعرِ جمودْ
  إذ نذكُرُ حبًّا بدا عندَ الصليب

بعد ذلك سيأتي مشهد الظهور والاستعلان بالمجد والقوة أمام العالم. والذي كُلّل بالأشواك، سيظهر وعلى رأسه تيجان كثيرة (رؤ19).

إن دخوله إلى العالم في المرة الأولى كان في مشهد الضعف والافتقار. لكن غيرة الآب على كرامة ابنه ستجعله يُدخِله إلى العالم في المرة الثانية في موكب مهيب، قائلاً: «ولتسجد له كل ملائكة الله» (عب1: 6)، مستعرضًا مجده وكرامته أمام الجميع.

لقد أُهين جهرًا أمام العالم، والآن هو مُمجد سرًا في السماء. لكن لا بد أن يتمجد علنًا، ويُرَد اعتباره كاملاً على الأرض ذاتها، وفى المكان ذاته حيث أُهين. والذي يتمجد الآن في النعمة وهو يخلص الخطاة، سيتمجد في القضاء على الأشرار في المستقبل.

سيجلس على كرسي مجده، وستراه الأرض في عرشه الرفيع، وسيدين المسكونة بالعدل. فقد تعيَّن ديانًا للأحياء والأموات. فالآب أعطى كل الدينونة للابن، لكي يكرم الجميع الابن (يو5).

سيملك على العالم العتيد ألف سنة. ليس «كالمسيا» فقط على إسرائيل وفى صهيون (مز2)، بل سيملك «كابن الإنسان» على العالم العتيد كله (مز 8) ويتحقق القول: «أيها الرب سيدنا ما أمجد اسمك في كل الأرض». سيجمع الله كل شيء في المسيح. ما في السماوات وما على الأرض في ذاك (أف1: 10). وسيكون من مشرق الشمس إلى مغربها اسمه عظيم ومُسبح. سيكون الرب ملكًا كبيرًا على كل الأرض. وستجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب (في 2: 9-11).


وكلما أعلن الروح القدس لنا عن أمجاده الملكية، تفيض قلوبنا بالسجود والتعبد والإكرام له.

باسمه للآب الحبيب
  يجثو الجميع بالورع

وكل شيء عن قريب
  تحت قدميه يضع

يا أيها الفادي المقيم
  عهد الفدى فيما صنع

نهدي لك الحمد الرخيم
  يا من على الكل ارتفع

 

محب نصيف