أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - السجود
السنة 2006
سبعة أفكار عن سلة أول الثمار

تثنية 26
1.  الساجد هو الشخص الذي اختبر معنى الفداء بالدم والقوة

فهو شخص مفدي، واحتمى في دم خروف الفصح (خر12: 12،13)، وعلَّمه الله أن يذكر أنه كان عبدًا تحت عبودية المصريين القاسية، ولكن الله نظر مشقّته وعبوديته، وأخرجه من هذه الحالة الرهيبة بيده الرفيعة وذراعه الممدودة بعجائب ومعجزات.

ومن المؤكَّد أن هذه الكلمات تصوِّر عملاً أعظم بكثير عمله الله مع كل مؤمن، كان بالطبيعة هالكًا في الخطية، وتحت دينونتها الرهيبة، ولكن بعمل الفداء الذي أتمّه ابن الله الحبيب في الجلجثة، قد هيّأ خلاصًا كاملاً مجانيًا لكل خاطئ يشعر بحاجته، ويثق في المسيح كمخلِّصه، ويعترف به ربًّا على حياته.  وسعيدٌ حقًا الشخص الذي يستطيع أن يأخذ كلمات ذلك الإسرائيلي على شفتيه، ويعترف بصدق ”أن الرب أخرجني بذراع ممدودة من خطاياي وحاجتي وعبوديتي، إلى حرية النعمة التي لأولاد الله“.

2.  الساجد له ميراث في الأرض
«وَمَتَى أَتَيْتَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيبًا (ميراثًا)».  هذا الإنسان كان موضوع الإرشاد الإلهي، لأنه اقتيد بعمود السحاب نهارًا، وعمود النار ليلاً؛ وكان موضوع اهتمام الله في ملء حاجاته، فقد أكل المَنْ من السماء، وشرب من المياه المتفجِّرة من الصخرة المضروبة، والآن يُنظَر إليه كمَنْ عبر الأردن، وامتلك فعلاً الأرض التي وعد بها الله.

والدلالة الرمزية لهذا ينبغي أن تكون واضحة، فالمؤمن يُنظَر إليه في الكتاب كمَنْ «جلس في السماويات في المسيح يسوع» (أف2: 6)، وهو متيقن بالله نفسه أنه «في المسيح يسوع»، وأنه هو وكل القديسين قد نالوا «نَصِيبًا، مُعَيَّنِينَ سَابِقًا حَسَبَ قَصْدِ الَّذِي يَعْمَلُ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ رَأْيِ مَشِيئَتِهِ» (أف1: 11)؛ والإدراك المبارك بأن كل هذا مِلكه الآن، يمكِّن المؤمن من أن يتقدَّم بثقة إلى الأقداس، ويقدِّم السجود معتَرِفًا بالجميل.

3.  الساجد شخص باركه الله
وقد تعلّم أن يأخذ باكورة حصاده الذي باركه به الله، ويقدِّمها للرب كصورة للسجود.  ومواعيد الله لإسرائيل كانت مؤقتة ومادية، وكانت مشروطة بطاعتهم لوصاياه «َإِنْ سَمِعْتَ سَمْعًا لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ لِتَحْرِصَ أَنْ تَعْمَلَ بِجَمِيعِ وَصَايَاهُ الَّتِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ، يَجْعَلُكَ الرَّبُّ إِلهُكَ مُسْتَعْلِيًا عَلَى جَمِيعِ قَبَائِلِ الأَرْضِ، وَتَأْتِي عَلَيْكَ جَمِيعُ هذِهِ الْبَرَكَاتِ وَتُدْرِكُكَ، إِذَا سَمِعْتَ لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ.  مُبَارَكًا تَكُونُ فِي الْمَدِينَةِ، وَمُبَارَكًا تَكُونُ فِي الْحَقْلِ.  وَمُبَارَكَةً تَكُونُ ثَمَرَةُ بَطْنِكَ وَثَمَرَةُ أَرْضِكَ وَثَمَرَةُ بَهَائِمِكَ، نِتَاجُ بَقَرِكَ وَإِنَاثُ غَنَمِكَ.  مُبَارَكَةً تَكُونُ سَلَّتُكَ وَمِعْجَنُكَ.  مُبَارَكًا تَكُونُ فِي دُخُولِكَ، وَمُبَارَكًا تَكُونُ فِي خُرُوجِكَ» (تث28: 1-6).

وبالمقارنة مع بركات إسرائيل الأرضية، فإن بركاتنا نحن أبدية وروحية، وما أجمل افتتاحية رسالة أفسس: «مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ» (أف1: 3)، ثم يستطرد  الرسول معدِّدًا بعض هذه البركات مثل كون المؤمن مختارًا، معيَّنًا، مَفديًا...  إلخ.  ثم يشير الرسول إلى النتائج البعيدة التي تنتج عن منح هذه البركات، وسوف تقود أولاً إلى مدح مجد نعمة الآب الذي خطّطها؛ ومجد نعمة الابن الذي هيأها؛ ومجد نعمة الروح القدس الذي عضدها، أي جعلها حقيقة في اختبار المؤمن (انظر أف1: 6،12،14).

وهكذا في العهدين القديم والجديد لا يأتي الساجد ليأخذ بركة، بل إنه يأتي لأنه قد بُورِكَ فعلاً.  وربما يمكننا وصف المؤمن الساجد بهذه الكلمات: ”إنه الشخص الذي باركه الله“.

4.  الساجد هو شخص معترف بالجميل
فالساجد، بحسب ما ورد في تثنية 26، موصوف أولاً بأنه يجمع عطية الباكورة، ثم يضعها في السلة، وأخيرًا يُحضِرها أمام الرب.  ولم يكن مسموحًا بأي فوضى أو تشويش في هذه التقدمة، فعمل السجود كان يتكون من جمع الثمار بعناية وترتيبها بنظام في السلّة، ثم بَذْل الجهد في السفر إلى حيث المكان الذي اختاره الرب؛ وهذا كله ينبيء عن تقدير لكل ما فعله الله لأجله.  وبهذا العمل انضم إلى الجماعة الكبيرة التي خلال الأجيال قد رنمت: «عَظَّمَ الرَّبُّ الْعَمَلَ مَعَنَا، وَصِرْنَا فَرِحِينَ» (مز126: 3).

والله يريد شعبًا يقدِّره، شعبًا لا يرضى بمجرّد الأخذ الدائم منه، ولكنه يرغب في أن يُقدِّم له.  والله يريدنا أن نكون كالسامري الذي شفاه الرب من برصه، فبينما أصدقاؤه التسعة ذهبوا في طريقهم، عاد هو إلى المخلِّص، وسقط عند قدميه، وقدَّم له الشكر، وكان تعليق المسيح على هذا حافلاً بالدلالة: «أَ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَرْجِعُ لِيُعْطِيَ مَجْدًا ِللهِ غَيْرُ هذَا الْغَرِيبِ الْجِنْسِ؟» (لو17: 12-19).

كثيرون من المؤمنين يمكن أن نصفهم بأنهم ”الطالبون“.  فكل مرة يأتون فيها إلى حضرة الله إنما ليطلبوا أن ”يعطيهم شيئًا“؛ أعطني هذا وأعطني ذاك!  هذه هي صرختهم الرتيبة الدائمة، وهم كالأطفال الصغار الذين يأتون إلى والديهم لكي يأخذوا منهم شيئًا فقط، ولم يفكروا أن يقدِّموا شيئًا في المقابل.  هناك قصة عن فتاة صغيرة سببت سعادة كبيرة لأمها، فقد عادت يومًا من لعبها وجلست على مقعد وراحت تتأمل أمها، وهي تكوي الملابس، وسألت الأم: ماذا تريدين يا عزيزتي؟  وأجابت الفتاة: لا أريد شيئًا يا أمي، إنني فقط أريد أن أجلس وأنظر إليك، لأني أحبك.

ولقد أوضح المسيح بجلاء، أن الآب ينتظر السجود من أولاده «السَّاجِدُونَ الْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ» (يو4: 23).  والله يرغب من الذين أغدق عليهم بركاته أن يستجيبوا لرغبته في السجود، وإذ هم ينتظرون في حضرته، يسكبون له حبهم في السجود والعبادة. 

كانت كلمة الله لإسرائيل «وَلاَ يَظْهَرُوا أَمَامِي فَارِغِينَ» (خر23: 15).  ومن المؤلم حقًا حين نرى اجتماعًا للسجود لم يُحضِر واحد فيه من المجتمعين شكره وتقديره في السلّة.  وفترات الصمت في كثير من اجتماعات السجود ليست هي دائمًا فترات تأمل وسجود صامت، بل أحيانًا كثيرة تكون هي فترات الفقر الروحي.  ويلاحَظ في تثنية 26 أن السجود الشخصي والفردي هو موضوع الأصحاح، وبدون مناقضة نستطيع أن نقول إن قيمة عبادتنا الجماعية يرجع إلى الحياة الروحية لكل مؤمن على حدة، جاء إلى الاجتماع بغرض السجود.

والتعليم الواضح في تثنية 26 أن كل مؤمن عليه أن يتدرّب روحيًا خلال الأسبوع، ويهيء سلّته شخصيًا بباكورة الثمار، وعليه أن يحضر معه إلى حيث يجتمع شعب الله، قلبًا مملوءًا بتقديره الشخصي لكل ما هو الله كما أعلن في ابنه الحبيب.  وإذا قام كل مؤمن بهذا العمل سوف يرتفع نغم الاجتماع الروحي إلى العلاء، وسيقبل الله عبادة أولاده المولودين بالروح، والمفديين بالدم.  ليتنا نتجاوب مع إلهنا في هذا الأمر!

5.  الساجد هو المطيع لكلمة الله
لقد أمر الرب ذلك الإسرائيلي أن يذهب «إلى المكان الذي اختاره الرب إلهك ليحل اسمه فيه»، وهذا المكان عُرِف بعد ذلك.  ففي الأول كان في شيلوه حيث «اجتمع كل جماعة بني إسرائيل»، وحيث أقيمت الخيمة (انظر يش18: 1).  وبعد ذلك نُقِل المكان إلى أورشليم حيث بُني الهيكل (انظر 1مل8: 29).  ومن المهم جدًا ملاحظة أن الله لم يترك اختيار المكان للسجود لمزاج العابد، فقد اختار مكانًا معينًا حيث وضع اسمه وعرّف هذا المكان لشعبه.  وكان على الساجد أن يحضر إلى ذلك المكان ليقدِّم تقدمته من باكورة الثمار إذا أراد أن يكون مقبولاً أمام الله.  ومن المُحتَمَل أن أي إسرائيلي في الأرض كان يمكن أن يناقش ويقول: ”لست أرى فرقًا أين يأخذ الإنسان تقدمته، وأنا شخصيًا أُفضِّل أريحا عن أورشليم، لأن أريحا أقرب إلى حيث أسكن من أورشليم، فضلاً عن ذلك الطريق إلى أورشليم مرتفع، وهذا يتطلب مجهودًا أكثر لا أريد أن أبذله، وبناء عليه سوف أسجد لله في المكان الذي اختاره أنا“.

كل هذا يبدو قريبًا جدًا من موقف كثيرين من المؤمنين اليوم، فمن الأمور العادية أن نسمع عن مؤمن حديث يُقال له: ”اُعبد في الكنيسة التي تختارها“.  فهل ترك الله المؤمن بدون إرشادات بخصوص مكان الاجتماع الذي يجتمع فيه مع الرب ومع إخوته؟  وهل ترك كل مؤمن لكي يتبع أهواءه في هذا الأمر الجوهري؟  كلا بطبيعة الحال، فالله نفسه الذي أرشد الإسرائيلي في العهد القديم متى وكيف وأين يسجد، ترك لنا في العهد الجديد إرشادات واضحة في هذا الأمر، وقول ربنا المعروف ينبغي أن يكون له مكانه في قلب كل مؤمن «حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ» (مت18: 20).

وكل مؤمن ينبغي عليه أن يمتحن مركزه بتدقيق بالنسبة للجماعة التي يشترك معها، وعليه أن يتيقن من مساندة تعاليم العهد الجديد لموقفه من الاجتماع بالمؤمنين، ومن سلوك الجماعة.  وهذه المبادئ الإلهية للشركة الكنسية قد أُعلنت بوضوح، ولا بُدَّ أن تُطاع من القلب، مهما كانت التكاليف.

6.  الساجد شخص متواضع
لم يكن هناك مكان لكبرياء الجنس، والشكل، والمكان، وكان اعترافه «أَرَامِيًّا تَائِهًا كَانَ أَبِي»، فلم يعطِ لنفسه أي امتياز ولم يكن فيه عقدة التسامي على الآخرين، ولم يحاول أن ينتفخ بأية صورة وهو يأتي إلى محضر الله، فتمجيد الذات لم يكن له مكان، والجسد لم يكن له محل، ذلك الجسد الذي قال عنه المسيح «الجسد لا يُفيد شيئًا» (يو6: 63).  فلم يكن مسموحًا بمكان للغطرسة، لأن الإسرائيلي كان له أصل واحد «أَرَامِيًّا تَائِهًا كَانَ أَبِي».  ونحن نعلم أنه - بالأسف - لا يوجد نظير للغطرسة الدينية، الممثلة في الفريسي، الذي صلى هكذا مع نفسه: «اَللّهُمَّ أَنَا أَشْكُرُكَ أَنِّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي النَّاسِ» (لو18: 11،12).

وكل مؤمن يعمل حسنًا لو وضع هذا في قلبه وهو يتقدم إلى عرش الله القدوس، فالله يكره الكبرياء في أية صورة، وقد قال بلسان إشعياء: «لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الْعَلِيُّ الْمُرْتَفِعُ، سَاكِنُ الأَبَدِ، الْقُدُّوسُ اسْمُهُ: ”فِي الْمَوْضِعِ الْمُرْتَفِعِ الْمُقَدَّسِ أَسْكُنُ، وَمَعَ الْمُنْسَحِقِ وَالْمُتَوَاضِعِ الرُّوحِ، لأُحْيِيَ رُوحَ الْمُتَوَاضِعِينَ، وَلأُحْيِيَ قَلْبَ الْمُنْسَحِقِينَ“» (إش57: 15)، ونقرأ ثانية «يُقَاوِمُ اللهُ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَمَّا الْمُتَوَاضِعُونَ فَيُعْطِيهِمْ نِعْمَةً» (يع4: 6).  والكبرياء لا تتفق مع المؤمن لأنه كان خاطئًا خلَّصته النعمة، وأنه لولا نعمة الله كان يمكن أن يكون في الجحيم.  وتواضع الروح شيء جوهري في موضوع السجود.

7.  الساجد شخص يعطي الله
«ثُمَّ تَضَعُهُ (الثمر) أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِكَ، وَتَسْجُدُ أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِكَ» ومن الملاحَظ في هذا الأصحاح أن الساجد لا يطلب شيئًا من الله، فهو لا يأتي إلى الله وعلى شفتيه طِلبة، ولكن يأتي وفي يديه تقدمة، وصحيح أنه أحضر إلى الله ما سبق الله وأعطاه إياه، إلا أن الله يفرح بالتقدمة ويحسبها له.

قفزت فتاة صغيرة إلى حِجر والدها وسألته خمسة جنيهات، ولما سألها أبوها عما سوف تفعله بالجنيهات الخمسة، أجابت ببراءة: إنني أريد أن أشتري لك هدية، فأعطاها أبوها ما طلبت، وفي اليوم التالي كانت الفتاة تقدِّم الهدية لأبيها الذي سبق ودفع ثمنها، ولا داعي أن نقول كيف قدَّر الوالد عاطفة ابنته وهديتها.

وقد أدرك داود هذه الحقيقة لأنه قال لله «مَنْ أَنَا، وَمَنْ هُوَ شَعْبِي حَتَّى نَسْتَطِيعَ أَنْ نَنْتَدِبَ هكَذَا؟  لأَنَّ مِنْكَ الْجَمِيعَ، وَمِنْ يَدِكَ أَعْطَيْنَاكَ» (1أخ29: 14)، والله يسكب بركاته بغنى على شعبه، فهل كثير على شعبه أن يُظهِر تقديره لما فعله الله؟

وا أسفاه!  ما أقل السجود الذي يتلقاه الله من أولاده، وكم من اجتماعات للسجود وتسمع أحدهم فيها قائلاً: ”يا رب ساعدنا لنسجد“.  ولكن الشخص الموصوف في تثنية 26 لم يقل: ساعدني يا رب لكي أحضر سلّتي مملؤة بأول الثمار، ولكنه أحضرها، وقال: «هأَنَذَا قَدْ أَتَيْتُ بِأَوَّلِ ثَمَرِ الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتَنِي يَا رَبُّ».  واجتماع السجود ليس غرضه الحصول على قوة للصلاة من أجل السجود، ولكنه لتقديم سجودنا الفعلي لله، والنتيجة المنطقية هي: إن رُفعتْ صلوات كافية قبل اجتماع السجود، لن تكون هناك حاجة للصلاة في اجتماع السجود.

الفريد ب جيبس