أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - السجود
السنة 2006
كهنوت جميع المؤمنين

مقدمة لإيضاح الفرق بين تدبير الناموس وتدبير النعمة:

لو دقَّقنا النظر من بداية سفر الخروج إلى أن نصل إلى الأصحاح التاسع عشر منه، نجد أن الرب أعطى الوعد لموسى بخروج الشعب من مصر وامتلاكهم الأرض، طبقًا لما سبق وأعطاه لإبراهيم، ذلك الوعد غير المشروط؛ الوعد على مبدإ النعمة (خر3: 6 -10؛ 6: 2-9).  وهكذا أخرجهم الرب وسار معهم، وقابل كل تذمّراتهم وشكواهم بالنعمة، فقد حوّل لهم «مارة» إلى حلاوة، وأعطاهم المن والماء من الصخرة المضروبة، كل ذلك على مبدإ النعمة.  وهو يدعوهم أن يتذكَّروا هذا كله في قوله لهم: «أنا حملتُكم على أجنحة النسور وجئت بكم إليَّ.  فالآن إن سمعتم لصوتي، وحفظتم عهدي تكونون لي خاصَّةً من بين جميع الشعوب.  فإن لي كل الأرض.  وأنتم تكونون مملكة كهنةٍ وأمَّةً مقدَّسةً» (خر 19: 4-6). «مملكة كهنة» يا له من تعبير يحمل كل المحبة والنعمة في معاملاته معهم (انظر تث 7: 7، 8)!

وكان على إسرائيل – إذ يتذكر كل فشله وضعفه، وكيف قابل الرب هذا الضعف والفشل بالنعمة - أن يقولوا: ”نحن ضعفاء، وكثيرًا ما نفشل، ونحن لا نستطيع أن نمتلك هذه المواعيد تحت هذا الشرط: "إن"، نرجو أن تتعامل معنا بالنعمة“.  لكن بدلاً من أن يقولوا ذلك، ماذا كانت لغتهم؟  «فأجاب جميع الشعب معًا وقالوا: كل ما تكلم به الرب نفعل» (خر19: 8).  وهكذا وضعوا أنفسهم تحت شرط الطاعة ليأخذوا المواعيد.  وفي خروج 24 نرى كيف أن موسى أخذ دم ذلك العهد ورشَّ على كتاب العهد، ورشّ على الشعب؛ مما يعني أنهم في حالة عدم الطاعة وتنفيذ أحكام الناموس، يصبحون تحت حكم الموت واللعنة.  ومما يدعو للأسف أننا، بعد قليل، نجد ارتدادهم المتمثِّل في عبادة العجل الذهبي، وكيف أنهم كسروا الوصية الأولى المكتوبة في الناموس، وبذلك لم يستطع الشعب أن يحصِّل من ذلك العهد إلا الموت واللعنة، وفقدوا الامتياز كمملكة كهنة.  وتغيَّر الوضع فأصبح الكهنوت في سبط لاوي، في عائلة هارون، والمُلك في سبط يهوذا في عائلة داود.  لكن بعد موت المسيح وقيامته وصعوده وجلوسه في السماويات ومجيء الروح القدس، انتهى ذلك النظام القديم كله، بكهنوته ومُلكه وذبائحه وبخوره وتقدماته، وأصبح الوضع الجديد هو أن:

1- كل المؤمنين هم البيت الروحي المبني من الحجارة الحيّة (مت16: 18؛ 1بط2: 5؛ عب3: 8).

2- كل المؤمنين الذين يمثِّلون كنيسة الله، هم الهيكل الروحي الذي يسكن فيه الروح القدس (1كو3: 16).

3- جسد كل مؤمن هيكل للروح القدس الساكن فيه (1كو6: 19).

4- كل المؤمنين كهنوت مُقدَّس (1بط2: 5).

5- كل المؤمنين كهنوت ملوكي؛ أي ملوك وكهنة (1بط2: 9؛ رؤ1: 6؛ 5: 10).

6- كل المؤمنين لهم حق الدخول إلى الأقداس السماوية (عب 4: 14-16؛ 10: 19-24).

نخلص من كل ما سبق أن كل المؤمنين في الوقت الحاضر هم الكهنة والبيت والملوك.

الكهنوت المقدّس في الوقت الحاضر
«كونوا أنتم أيضًا مبنيين- كحجارةٍ حيَّةٍ- بيتًا روحيًا، كهنوتًا مُقدَّسًا، لتقديم ذبائح روحيَّة مقبولةٍ عند الله بيسوع المسيح» (1بط2: 5).
«الذي أحبَّنا، وقد غسَّلنا مِنْ خطايانا بِدَمِهِ، وجعلنا ملوكًا وكهَنةً لله أبيه، له المجد والسُّلطان إلى أبد الآبدين آمين» (رؤ1: 6؛ 5: 10).
من تلك الشواهد نفهم الحقائق التالية:

1- هناك فارق بين تقديس الكاهن اليهودي والكاهن المسيحي.  فتقديس الكاهن اليهودي كان تقديسًا ظاهريًا خارجيًا عن طريق الغسل بالماء الحرفي وسكب الزيت الحرفي بدون عمل إلهي داخل النفس؛ ويمكن أن يكون الكاهن اليهودي مفرزًا ومخصَّصًا ككاهن، وفي نفس الوقت يكون غير مولود من الله وهالكًا.  أما الكاهن المسيحي فتقديسه داخلي بعمل إلهي، حيث تقدَّس شرعًا بدم المسيح، وتقدَّس داخليًا بعمل إلهي في القلب؛ إذ وُلد من الله بالروح القدس والكلمة الحيّة، ومن هنا أصبح مقدَّسًا شرعًا بمقتضى عمل الله لأجله في صليب المسيح، وتقدّس داخليًا بامتلاكه الطبيعة الجديدة وسُكنى الروح القدس في داخله.  وهذا ما أكده الرسول بطرس في القول: «في تقديس الروح للطاعة، ورش دم يسوع المسيح» (1بط1: 2).

2- إن الله في الوقت الحاضر لا يعترف بأي كهنوت آخر، ذلك لأن النظام اليهودي برمّته قد انتهى أمره بموت المسيح وقيامته، فلا يوجد هيكل مادي أو ذبائح دموية أو كهنوت هاروني أو طقوس متنوعة مرتبطة بهذا النظام.  والمسيح لم يدخل إلى أقداس مصنوعة بيد أشباه الحقيقية، بل إلى السماء عينها ليظهر الآن أمام وجه الله لأجلنا (عب 9: 24).

3- المسيح الآن هو رئيس الكهنة عظيم  ولا يوجد رئيس كهنة غيره، وهذا ما يؤكِّد عليه الرسول: «فإذ لنا رئيس كهنةٍ عظيمٌ قد اجتاز السَّماوات، يسوعُ ابن الله» (عب4: 14-16؛ 8: 1؛ 10: 21).

4- من حق كل المؤمنين أن يدخلوا إلى الأقداس السماوية «فإذ لنا أيها الإخوة ثقة بالدُّخول إلى الأقداس بدم يسوع، طريقًا كرَّسَهُ لنا حديثًا حيًّا، بالحجاب، أي جسده، وكاهنٌ عظيم على بيت الله، لنتقدم بقلبٍ صادقٍ في يقين الإيمان، مرشوشةً قُلُوبنا من ضميرٍ شرِّيرٍ، ومُغتَسلة أجسادُنا بماءٍ نقيٍّ» (عب10: 19-21؛ انظر أيضًا عبرانيين4:  14-16)، الأمر الذي لم يكن مسموحًا به في العهد القديم؛ أي أن الامتياز الممنوح هنا هو لجميع المؤمنين، وهو أعظم من كل ما كان يتمتع به أي واحد من أبناء هارون أو حتى هارون نفسه؛ لأنه أصبح من حق المؤمن أن يقترب بالإيمان حيث المسيح الآن، من خلال الحجاب المشقوق بفضل دم يسوع، والروح القدس يُخصِّص فاعلية هذا الدم لضمائرنا وقلوبنا، باعتبار ذلك مقامنا الثابت.  وهنا تتفق رسالة بطرس الأولى مع رسالة العبرانيين، لأنه بما أننا كهنة مقدَّسون، فمن حقنا تقديم الذبائح الروحية المقبولة عند الله بيسوع المسيح، وهذه الذبائح الروحية أصبحت في نظر الله أسمى من تقديم العجول والكباش والبخور. ويؤيّد ذلك أيضًا الرسول في القول: «فلنُقدِّم به في كل حينٍ لله ذبيحة التسبيح، أي ثمر شفاهٍ معترفةٍ باسمه» (عب13: 15).

مما سبق يتضح لنا أن القول بوجود جماعة كهنوتية على الأرض تخدم المؤمنين ومنفصلة عنهم، إنما هو محض ادّعاء، ليس فقط بلا سند أو دليل  بل يتعارض تمامًا مع ما يعلنه العهد الجديد من مقام خاص لكل المؤمنين الحقيقيين.
الكهنوت الملوكي
«وأما أنتم فجنسٌ مختارٌ، كهنوتٌ ملوكيٌّ، أُمَّةٌ مقدسةٌ، شعبُ اقتناءٍ، لكي تُخبِرُوا بفضائل الذي دعاكُم من الظلمة إلى نُوره العجيب» (1بط2: 9).

وهنا يجب أن نُميِّز بين الكهنوت المُقدَّس والكهنوت الملوكي، وإن كان كل المؤمنين في الوقت الحاضر كهنوتًا مقدسًا وكهنوتًا ملوكيًا؛ فالكهنوت المقدس - كما أسلفنا القول - هو الدخول إلى الأقداس لتقديم الذبائح الروحية المقبولة عند الله بيسوع المسيح.  وهل هناك امتياز أسمى للمؤمن المسيحي أن يكون في حضرة الله، سالكًا في النور كما هو في النور، يتمتّع ويتلذّذ بالشركة والشبع بابن محبة الآب، يشبع به كما يشبع به الآب؟!

أما الكهنوت الملوكي فلم يكن من مميّزات الكهنوت الهاروني، إنما هو كهنوت على نمط الكهنوت الملكيصادقي في إعلانه للبركة في اليوم العتيد، عندما يمارس الرب ذلك الكهنوت، عندما يجلس على عرشه ملكًا وكاهنًا (زك6: 13).  وهذا أيضًا ما سيتمتع به كل المؤمنين مستقبلاً عندما يملك الرب يسوع.  لأن المؤمنين ليسوا كهنة فقط، لكنهم ملوك وكهنة كما يذكر سفر الرؤيا «الذي أحبَّنا، وقد غسَّلنا مِنْ خطايانا بِدَمِهِ، وجعلنا ملوكًا وكهَنةً» (رؤ1: 6).  والرب يسوع كاهن على رتبة ملكي صادق أي ملك وكاهن، فنحن الذين ارتبطنا به مُسحنا ملوكًا كما قُدِّسنا كهنة، وإن كنا الآن ممسوحين ملوكًا، لكننا ملوك مرفوضون، فسَيَّدنا مرفوض، ونحن في زمن صبره، وإن كنا نصبر فسنملك أيضًا معه.

ومما يدعو للدهشة في تطبيق الكهنوت الملوكي علينا مستقبلاً، ما جاء في رؤيا20: 6 فنقرأ: «مباركٌ ومُقدَّس مَنْ له نصيب في القيامة الأولى. هؤلاء ليس للموت الثاني سلطان عليهم، بل سيكونون كهنة الله والمسيح ، وسيملكون معه ألف سنة» (رؤ20: 6).

فكوننا كهنة لله (رؤ1: 6؛ 5: 10) نقدِّم الذبائح الروحية، أما كوننا كهنة الله تعنى أننا كهنوت ملوكي لا نقدِّم الذبائح الروحية المقبولة، بل نمارس نشاط الخدمة الكهنوتية الملكيصادقية تجاه المؤمنين الذين على الأرض الألفية.  إنها خدمة تعضيد وإنعاش للشعوب التي على الأرض.  ونحن إذ نقوم بهذه الخدمة، إنما نشارك المسيح كالكاهن الملكيصادقي عندما يجلس كاهنًا على عرشه (زك6: 13).  وكما سيمدّ الرب شعبه بالإنعاش، فنحن سنشاركه في ذلك باعتبار أننا كهنوت ملوكي، عندما نملك معه ككهنة الله والمسيح، أي أننا سنكون سبب إنعاش وتعضيد للشعوب الألفية، ويا له من امتياز!

أما الآن، حال كوننا كهنوتًا ملوكيًا، فإننا علاوة على تقديمنا الذبائح الروحية المقبولة عند الله، أي ثمر الشفاه، التي يمكن اعتبارها الجزء السَّماوي للذبيحة، فإنه لا يجب أن ننسى الجزء الأرضي من الذبيحة، وهو ما يؤكد عليه الرسول إذ يقول: «ولكن لا تنسوا فعل الخير والتوزيع، لأنه بذبائح مثل هذه يُسرَّ الله» (عب13: 16).  ويا له من توازن يشهد لصحة المكتوب! فقد ينسى واحد منا في عمق الفرح والتسبيح أعواز الآخرين، وقد نقول: ”نحن مشغولون دائمًا بما فوق حيث المسيح جالس، ولذلك فإننا لا نرى ما حولنا على الأرض“، لكن الروح القدس يذكِّرنا بأننا لسنا كهنوتًا مقدَّسًا فقط، بل كهنوتًا ملوكيًا أيضًا، فذبيحة التسبيح لها بقية تُكمِّلها هي: فعل الخير والتوزيع، لكي نعطي من له احتياج.

رشاد فكري