أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - السجود
السنة 2006
معطلات السجود

إذ نعرف أن السجود هو مشغولية المؤمن العُليا، فلنا أن نتأكد أن الشيطان العدو الخبيث، والعالم العدو الخارجي، والجسد العدو الداخلي؛ سوف يتحدون ليعوِّقوا المؤمن وهو يسعى للسجود لله، ومن المستحيل أن نَعدّ كل العوائق لأنها كثيرة جدًا، ولكننا سنذكر هنا عائقين هامين هما:

1.  الكسل
ونعني بهذا، الفشل في استخدام الوسائل التي هيأها الله لإنارة المؤمن لتقدير قيمة السجود، والتلذُّذ به في القلب.  كثيرون يتقاعسون في دراسة هذا الموضوع بسبب الجهد الذي يتطلبه، فالسجود ليس شيئًا سهلاً، ولكنه ينمو حين يتمسك المؤمن بنشاط مقدَّس هيّأه الله له في المسيح.  والسجود لا يُخلَق بالجلوس المريح، ولا ينمو في جو اللامبالاة الروحي، والإهمال.  وثمار السجود لا تنمو في حقل الكسل (أم24: 30-34)، ولكنه يأتي بالزراعة المُصِّرة، وهذا يتطلب من المؤمن العزم القلبي والعقلي.

إن فترات الصمت التي يعتريها الارتباك، والتي تحدث في اجتماع المؤمنين للسجود، هي النتيجة المحزِنة لهذا العائق: الكسل.  فالكسل يعني أن القديسين ليس لديهم ما يقدّمونه لله، لأنهم لم يجمعوا شيئًا من الله، وبدلاً من أن تمتليء سلالهم بتقدير الله وابنه نتيجة دراسة شخصية للكلمة، أهملوا كتابهم المقدس، وأهدروا أوقاتهم في التفاهات، ولذلك يظهرون أمام الله فارغين.  ومثل هؤلاء المؤمنين غالبًا ما يشكون من أنهم لا يحصلون على الطعام الروحي الذي يرغبون فيه، والواقع هو أنهم لا يرغبون - روحيًا - في الطعام الذي هيّأه لهم الله.  فالنقص ليس في الطعام، ولكن في الشهية.  لقد راحت راعوث تجمع في حقل بوعز، وكانت النتيجة أنها امتلكت شيئًا تُقدّمه لحماتها (انظر را2: 15-18).  وإذ يجمع المؤمن في حقول الكتاب المقدس الغنية، ويخبط ما يجمع بالتأمّل، فلن يكون هناك نقص في السجود في قلبه، لأنه سيكون ممتلئًا من التقدير لله، وما فعله.

والتهيئة الروحية، بدراسة الكتاب والصلاة، جوهرية جدًا للسجود، وهي تتطلب جهدًا مثابرًا ومنظمًا، فالحياة اليوم تسير بوقع متزايد باستمرار، والأعمال والواجبات العائلية تصرخ مطالبة بوقت المؤمن، فإن لم يكن منتبهًا، فسوف يكتشف المؤمن سريعًا أن الأعمال العالمية قد زاحمت الواجبات المقدَّسة، لذلك عليه أن يحرص كل الحرص على الوقت الذي يقضيه في فرص التعبُّد الخاصة في حياته.  وربما يتطلب هذا، الاستيقاظ نصف ساعة قبل الوقت المعتاد، وقضاء هذه الفترة في قراءات كتابية منظّمة، مع التأمّل والدرس، والصلاة.

وينبغي النظر للكسل الروحي على أنه لص، لأنه سيسرق السجود الذي ينبغي أن يقدَّم لله، لذلك علينا أن نهتم بالحثّ الكتابي «هذَا وَإِنَّكُمْ عَارِفُونَ الْوَقْتَ، أَنَّهَا الآنَ سَاعَةٌ لِنَسْتَيْقِظَ مِنَ النَّوْمِ، فَإِنَّ خَلاَصَنَا الآنَ أَقْرَبُ مِمَّا كَانَ حِينَ آمَنَّا.  قَدْ تَنَاهَى اللَّيْلُ وَتَقَارَبَ النَّهَارُ، فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ الظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ النُّورِ» (رو13: 11،12).

2.  العَجَلَة
وهي عكس العائق السابق، ونعني بها فشل المؤمن في انتظار الله، والمكوث بصبر أمامه.  يقول الكتاب المقدس «لاَ تَكُونُوا كَفَرَسٍ أَوْ بَغْل بِلاَ فَهْمٍ.  بِلِجَامٍ وَزِمَامٍ زِينَتِهِ يُكَمُّ لِئَلاَّ يَدْنُوَ إِلَيْكَ» (مز32: 9).  الفرس مشهور برعونته واندفاعه دون التفكير في النتائج «كَفَرَسٍ ثَائِرٍ فِي الْحَرْبِ» (إر8: 6).  والبغل مشهور بعناده، فهو يتقهقر حين يُطلَب منه أن يتقدم.  والله لا يريد أيّا من هذين الأمرين في شعبه.

القصة المؤلمة للملك شاول تقدِّم لنا شرحًا لما يمكن أن تجرّه العَجَلَة من تعويق للسجود.  فقد مسح النبي صموئيل شاول ملكًا على إسرائيل، وتنبأ أن روح الرب سيأتي عليه، وأنه سوف يتنبأ، وأن الله سوف يحوِّله إلى رجل آخر (1صم10: 1-13).  ثم أعطى صموئيل لشاول إرشادات محدَّدة تتصل بتصرفاته في المستقبل، وقال: «وَتَنْزِلُ قُدَّامِي إِلَى الْجِلْجَالِ، وَهُوَذَا أَنَا أَنْزِلُ إِلَيْكَ لأُصْعِدَ مُحْرَقَاتٍ وَأَذْبَحَ ذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ.  سَبْعَةَ أَيَّامٍ تَلْبَثُ حَتَّى آتِيَ إِلَيْكَ وَأُعَلِّمَكَ مَاذَا تَفْعَلُ» (1صم10: 8).  وعاد شاول إلى بيته بعد أن سمع تلك الإرشادات، كما أن العلامات التي تنبأ بها صموئيل حدثت.

وفي أصحاح 13 نجد شاول في الجلجال ينتظر في قلق مجيء صموئيل، بينما اجتمع الفلسطينيون لكي يهاجموا الإسرائيليين، وبدلاً من انتظار صموئيل ليقوم بالعمل الذي لا يقوم به إلا الكاهن المُقَام من الله، أمر شاول، في قلقه وعَجَلَته، خادمه لكي يقدم المحرقة وذبيحة السلامة، وقدّمهما أمام الله.  وما كاد ينتهي من هذا العمل، الذي لم يكن له أي حق في عمله، حتى ظهر صموئيل وسأل عن سبب هذا التصرّف، وأجاب شاول بأنه رأى الشعب متفرقًا عنه، وأن الفلسطينيين على وشك أن يهاجموا، وأن صموئيل لم يأتِِ بعد، وختم حديثه بالقول: «فَتَجَلَّدْتُ وَأَصْعَدْتُ الْمُحْرَقَةَ» (1صم13: 11، 12).  وحين سمع صموئيل هذا الشرح، اتهمه بالغفلة والعصيان وختم حديثه «قَدِ انْحَمَقْتَ! ...  الآنَ فَمَمْلَكَتُكَ لاَ تَقُومُ.  قَدِ انْتَخَبَ الرَّبُّ لِنَفْسِهِ رَجُلاً حَسَبَ قَلْبِهِ، وَأَمَرَهُ الرَّبُّ أَنْ يَتَرَأَّسَ عَلَى شَعْبِهِ.  لأَنَّكَ لَمْ تَحْفَظْ مَا أَمَرَكَ بِهِ الرَّبُّ» (1صم13: 13،14).  وبسبب فشله في انتظار وقت الله، وعمل الأمور في توافق مع طريق الله، رُفِض شاول بسبب اقتحامه السجود.

والله لا يريد سجودًا مُقتَحَمًَا من شعبه، لأن السجود شيء اختياري في المقام الأول، وهو يرتفع من نفس الذي ينتظر الرب بصبر وطول أناة، ويأخذ وقتًا في التأمّل في كلمته.  فشاول، في قلقه وتعجُلِه، ارتكب حماقة اقتحام ما ليس من حقه، وقد اندفع أمام الله وقدَّم ما لم يكن كفؤًا لتقديمه، وكانت النتيجة أنه رُفِض، وأصابه السخط الإلهي. 

وكل مؤمن هو في الخطر عينه، أعني محاولة العمل بنشاط الجسد، فيعمل بصورة غير مقبولة.  فغالبًا، في اجتماع السجود، ما تأتي فترة صمت حيث تمتليء القلوب، وتعجز عن التعبير بالكلام، وهو صمت مقدَّس وبليغ للسجود.  إلا أنه أحيانًا يقطع أخٌ غير صبور هذا الصمت الذهبي بطلب ترنيمة غير مناسبة، وهكذا يقتحم سجود شعب الله.  فالسجود يتطلب تمييزًا روحيًا من الدرجة العُليا، وعلى كل مؤمن أن يتدرَّب أمام الله على هذا لئلا يقطع سجود شعب الله.  لقد أحسن مَنْ قال: ”حين لا تعرف ما يجب أن تعمله، فالأفضل ألا تعمل شيئًا“.

الفريد ب جيبس