أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - السجود
السنة 2006
الملك في بهائه

المزمور 45
من المهم جدًا لنا أن نغرس في قلوبنا ما سُطِّر في هذا المزمور.  فما يشغل قلب وفكر الملكة، هو الملك ذاته.  ونحن بالمثل، يجب أن ننشغل بالمسيح ذاته.  نحن معرَّضون أن ننشغل بالبركات التي تفيض بها يده الكريمة علينا؛ ولكن ما يشغل هذا المزمور ليس ما يفعله الملك، بل الملك ذاته.  فما يُقدِّره الملك هو القلب المسرور به لذاته.

«فاض قلبي بكلام صالح». 

وفى حاشية الترجمة الإنجليزية يبين أن المعنى لكلمة ”فاض inditing“ هو ”اشتعل“ أو ”فوران“.  إنه أمر عظيم أن يشتعل القلب بحب المسيح ولكن أخشى أن يكون حالنا ليس هكذا.  بل بدلاً من هذا، كثيرًا ما نكون عند درجة التجمد؛ وبذلك نكون بعيدين جدًا عن درجة الغليان على مقياس التكريس للمسيح. 

وما هو هذا «الكلام الصالح»؟  توضحه الآية: «متكلم أنا بإنشائي للملك» (أو عن الملك)؛ أي أُسطِّر كلمات عما أعرفه عنه، ليس عما نلته منه، بل من هو بالنسبة لي؛ عن مكانة شخصه المبارك في قلبي.  اختارت ”مريم“ التي من ”بيت عنيا“ أن تكون معه، فجلست عند قدميه، تستمع لكلماته.  وقد كان كل شوق قلبها أن تكون قُربه ومعه.  لقد كان حبها للرب ما يميز موقفها، والجلوس عند قدميه هو مكانها.  لقد سُبيت بحب شخص المسيح.  فهل كانت تعوزها الفطنة؟  كلا، ولكن هذا لم يكن هدفها.  لقد سكبت قارورة طيب كثير الثمن عليه، وقال الرب يسوع مُدافعًا عنها «إنها ليوم تكفيني قد حفظته» (يو12: 7).  لقد خشيت ألا ُتتاح لها فرصة أخرى لتفعل هذا.  لقد أقام آخرون ولائم ليسوع، ولكن بالتأكيد لا يقيم أحد وليمة لشخص يعرف أنه سيموت.  وكان تصرف مريم يتفق مع ظروف سيدها.  ولم تكن الوليمة تتفق مع هذه الظروف.  لقد كانت حاضرة في الوليمة، ولكن لم تُشغَل بها.  بل انشغلت بمن أُقيمت له الوليمة.  كان قلبها مشتعلاً (يغلي، يفور) بالحب له.  لقد كانت الوحيدة بين الموجودين التي توافقت مع فكره. 

فليجعل الرب بروحه القدوس قلوبنا تشتعل بالحب الحقيقي الصادق له!  فالحب لا يُشبعه إلا الحب.  لقد أحبنا حتى الموت، وهو يطلب في المقابل حبّنا القلبي الصادق لشخصه.  وهو يا أخوتي الأحباء، جدير به.
«لساني قلم كاتب ماهر». 

من السهل أن نتكلم عن المسيح، وأن نسبح شحصه، عندما يكون القلب فائرًا بحبه؛ «فمن فضلة القلب يتكلم الفم».  أما إذا صَمَتنا في السجود وفي التسبيح، فلا بد أن يكون القلب فارغًا، وأن المسيح، كهدف، لا يملأ الوجدان.  قد تقول إن الروح القدس هو الذي يجب أن يحركنا للسجود.  نعم، ولكن إذا لم تسجد يكون من الواضح أنك لم تتحرك.  صحيح تمامًا أننا يجب أن نكون خاضعين، في سجود الجماعة، لقيادة الرب وحده.  وهذا ما نتعلمه من الرسالة الأولى إلى مؤمني كورنثوس، ولكن في هذا المزمور هناك خضوع لروح الله القدوس، وفضلاً عن ذلك فإن القلب يفيض بما يعرفه عن الملك. 
وإني أغير من حالة النفس التي تقدِّم الشهادة هنا.  فاستمع إلى كلمات شهادتها: «أنت أبرع جمالاً من بني البشر.  انسكبت النعمة على شفتيك».  والكلام هنا مُوجَّه إلى شخصه.  فالنفس الشاهدة هنا قريبة إلى درجة تمكِّنها من أن تتكلم إليه.  وهذا يفوق ما وصلت إليه العروس في نشيد الإنشاد.  فتلك تقول الكثير عن الحبيب، ولكن لا تقول الكثير من هذا النوع له.  إنه بالنسبة لها «مُعلَم (مُميز) بين ربوة (عشرة آلاف)» (نش5)، وكله مشتهيات.  ولكن النفس الشاهدة هنا قريبة للملك لدرجة تمكِّنها أن تتكلم إليه، وينساب الكلام في سلاسة.  ففي هذا الاقتراب الحميم، تكون هناك معرفة بفكر الله بالنسبة لقصده نحو الوحيد الذي سُرّ الله أن يُكرمه.

«تقلّد سيفك على فخذك أيها الجبار جلالك وبهاءك.  وبجلالك اقتحم.  اركب، من أجل الحق والدعة (الوداعة) والبر»


وهنا نجد إحساسًا بعظمة شخصه.  لقد أُهين من البشر، وارتفعت ذراع الإنسان الشرير - رغم ضعفه - ضدَّه في ساعة الخيانة والغدر، ولكن سيأتي اليوم الذي سيركب فيه من أجل الحق.  لقد كان الوديع والمتواضع القلب؛ ولكن «من يضع نفسه يرتفع» ونتيجة لتواضع نعمته سيرتفع.

«كرسيك يا الله إلى دهر الدهور.  قضيب استقامة قضيب مُلكك.  أحببت البر، وأبغضت الإثم، من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك»

وهنا يتكلم عنه باعتباره «الله»، وفى المزمور 2: 7 يتكلم عنه الله باعتباره ابنه.  هو الممسوح أكثر من رفقائه؛ وهو المُميَّز بين رفقائه.  من هم هؤلاء الرفقاء؟  تُبين لنا عبرانيين 2 أننا نحن رفقاؤه «لأن المُقَدِس والمُقدَّسين جميعهم من واحد، فلهذا السبب لا يستحي أن يدعوهم إخوة»

و«أخبر باسمك إخوتي وفى وسط الكنيسة أسبحك» (عب2: 11،13).  ونقرأ أيضًا «لأننا قد صرنا شركاء (رفقاء) المسيح، إن تمسكنا ببداءة الثقة ثابتة إلى النهاية» (عب3: 14).  لقد مسحه الله بدهن الابتهاج، وهذا الدهن الثمين ينساب من رأسه إلى ثيابه.  وفي يوم مجد المسيح، عندما يركب بالجلال، سنكون معه، ونشترك في ذلك المجد، عندئذ ينساب دهن ابتهاجه علينا نحن أيضًا.

«كلّ ثيابك مرّ وعود وسليخة.  من قصور العاج سَرّتك الأوتار»
والمسيح له رائحة ذكية، يجب أن تفوح فينا ومنا «لأننا رائحة المسيح الذكية لله» (2كو2: 15).

«بنات ملوك بين خطيباتك (نسائك المُكرمات).  جعلت (تقف) الملكة عن يمينك (مُزينة) بذهب أوفير»

وعندما يتكلم عن الملك، فالعروس (الملكة) هي أورشليم.  ولذلك فهذا المزمور به إشارات للملك الألفي.  وسينظر إسرائيل إلى ذلك الذي رفضوه وصلبوه، وينوحون.  وسيُخلِّص الرب شعبه من خطاياهم، وببره الإلهي يعطيهم مكانًا في حضرته «جعلت الملكة عن يمينك بذهب أوفير».  عندئذ ستسمع (ستتأمل) وتميل أذنها إليه، وتنسى شعبها وبيت أبيها (الآية10).  ولكن ماذا نتعلم من هذا؟  أنَّ المسيح لا بد أن يتدخل بين النفس وكل شيء هنا.  فلا بد أن يُبعد الطبيعة العتيقة ويجب أن أنساها.  فالمسيح يجب أن يكون غايتي الأولى.  فهل له الاعتبار الأول عندنا؟  أم الذات والبيوت والاهتمام بها: الأسرة، والأصدقاء أو بيت أبينا؟  ويقول روح الله هنا «إنسي شعبك وبيت أبيك»، وقال الرب يسوع «من أحب أبًا أو أمًا أكثر مني فلا يستحقني» (متى 10: 37).

«فيشتهي الملك حُسنك»

عندئذ سيرى الجمال فيكِ.  عندئذ ستكون بالنسبة للمسيح ما كانت عليه حواء بالنسبة لآدم؛ وهناك أيضًا الجانب الآخر «لأنه هو سيدكِ فاسجدي له».  مطلب الرب هذا له تقديره عند كل الذين صار المسيح غرضًا لهم.  وأي بهجة عندما تدخل نفوسنا في هذه العلاقة!  إن المسيح يحجب كل شيء، فينساب السجود في قلوبنا موجَّهًا إليه. 

ونقرأ عن جمال بنت الملك «كلها مجد ابنة الملك في خدرها» (أي في داخلها).  وهنا نرى مجدها الأدبي، وهو مستمَد من فضائل المسيح.  فجماله هو الذي ينعكس في بهائها، وبسببه يُمدَح من الشعوب «من أجل ذلك تحمدك الشعوب إلى الدهر والأبد».

ما الذي يعمله الله الآن؟  هل هو مشغول ببركتنا وراحتنا؟  أم أنه بالأحرى مشغول بمجد الوحيد الذي سُرّ أن يُكرمه؛ أي بالمسيح، الذي سيقيمه كمركز لكل شيء، ورأسًا على الجميع؟  إن الله يطلب تقديم الحمد له، وهذا لما صرنا عليه الآن أدبيًا، في الروح والسلوك، مثل المسيح، مُزيَّنين بفضائل المسيح؛ وفي يوم آخر، لما سنكون عليه، عندما نكون مثله، ومعه في أجساد ممجَدة مثل جسده المقدَّس، عندما نظهر «كأبناء الله» كرفقاء للمسيح، ويكون نصيبنا السعيد هو المجد الذي لا يُحَدّ. 

فليجعل الرب بروحه، أمام قلب كل منا، ابنه الحبيب، ليكون لنا الإحساس أنه قريب منا ومعنا دائمًا.  فنسير معه، ولنتذكر دائمًا القول:

«هو سيدك، فاسجدي له».

و. ت. ب. ولستون