أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - السجود
السنة 2006
الانفصال والسجود

يرتبط السجود بالانفصال ارتباطًا وثيقًا في كلمة الله.  والسجود الذي نعنيه هنا هو ”عبادة“ الرب، تقديم ما يليق باسمه من إكرام.  إنه فيض القلب الشبعان بمَنْ هو الله في ذاته، ومَنْ هو بالنسبة إلينا نحن الساجدين.  إنها النفس الخاشعة في أروع مشاعر الإعجاب وأفضل أفكار التقدير للآب، والابن بعمل الروح القدس.

والانفصال الذي نقصده، هو فصل الساجد نفسَه عن كل دائرة لا تمجِّد الآب والابن، ولا تعطي مجالاً لعمل الروح القدس (2تي2: 21).  سواء كانت هذه الدائرة شرًّا تعليميًا أو فسادًا أدبيًا.  سواء كانت دائرة نظامية روتينية، أو كانت أفرادًا، أو شرورًا، على المؤمن أن ينفصل عنها ويتطهّر منها قبل أن يقدم سجوده للرب.  ونرجو أن يكون واضحًا أن هذا الانفصال - كما سنرى - هو إلى الدائرة ذات المركز الصحيح؛ شخص المسيح، بأكثر من كونها مجرَّد انفصال عن دوائر لا تناسب الله الذي نعبده، ولا توافق التعليم الصحيح النقي كما ورد في الكتاب المقدس.  وهو أمر بخلاف ”الانعزال“.  فالمعتزل قِيل عنه في العهد القديم إنه يطلب شهوته (أم18: 1).  وكُتب عن أمثال هؤلاء في العهد الجديد أنهم «المعتزلون بأنفسهم.  نفسانيون.  لا روح لهم» (يه19).

ورغمًا عن أن توصيفنا السابق لكلٍ من السجود والانفصال، يكفي وحده ليدلِّل على الرابطة المنطقية والوثيقة بينهما، سواء في الغرض، أو الترتيب...  إلخ؛ إلا أنه من الأفضل والأفيد لنا، في آنٍ معًا، أن نأخذ جولة سريعة في رحاب كلمة الله العظيمة لنرى بصورة عملية واضحة وقاطعة ارتباط ”الانفصال الصحيح“ بـ”السجود الصحيح“ في كلا العهدين: القديم والجديد، وسنتناول هذه الأمثلة بترتيب ذكرها في الكتاب.

1.  إبراهيم ..  (تك12):
الانفصال أولوية ..  بعده السجود
«قَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ: اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ» (تك12: 1-3).  ثم يضيف الوحي «فَذَهَبَ أَبْرَامُ كَمَا قَالَ لَهُ الرَّبُّ» (ع4)، ثم في عدد 7 يقول عنه أنه «بَنَى هُنَاكَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ»، وفي العدد التالي مباشرة (ع8) بنى مذبحًا آخر.  والمذبح كما هو معروف يكلِّمنا عن السجود.  لقد ذهب (أو خرج) أولاً، وبنى المذبح ثانيًا.

إن أور الكلدانيين، وحتى حاران التي في منتصف الطريق (صورة للحلول الوسط أو ما يسمونه ”مبدأ الوسطية“)، لا يمكن أن يكونا مجالاً صحيًّا لسجود إبراهيم.  لقد تعيّن عليه أن يخرج، ليس فقط من الدائرة المُهينة لاسم الرب، بل أيضًا إلى المكان الذي عيّنه له الرب ليقيم فيه.  «الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ» (ع1).  وقد تميّزت حياة ذلك الرائد، أبي المؤمنين، بالخيمة التي عبِّرت عن انفصاله عن العالم، وبالمذبح الذي يكلِّمنا عن عبادته وسجوده للرب (اِقرأ أيضًا تك13: 18؛ 22: 9).  وكان المذبح الشهير في تكوين 22 على جبل المريا، هو المكان المعيَّن له من قِبَل الرب.  إليه خرج أولاً، وهناك قدَّم للرب ثانيًا (تك22: 2، 9-14).

ومن هنا نتعلم درسًا أوليًا، واضحًا وبسيطًا، قاطعًا وحاسمًا في العلاقة بين الانفصال والسجود وهو: الانفصال أولاً..  وبعد ذلك السجود.

إن أيّة ذرائع تُقدِّم مثل محاولة إصلاح حال أور وأهلها، أو إرضاء الأقربين في حاران، أو غير ذلك، هي غير مقبولة، وهي عائق مباشر عن تقديم السجود المقبول عند الله.

2.  يعقوب ..  (تك35)
الانفصال تطهير ..  يقود إلى السجود
«ثُمَّ قَالَ اللهُ لِيَعْقُوبَ: ”قُمِ اصْعَدْ إِلَى بَيْتَِ إِيلَ وَأَقِمْ هُنَاكَ، وَاصْنَعْ هُنَاكَ مَذْبَحًا ِللهِ الَّذِي ظَهَرَ لَكَ حِينَ هَرَبْتَ مِنْ وَجْهِ عِيسُو أَخِيكَ“.  فَقَالَ يَعْقُوبُ لِبَيْتِهِ وَلِكُلِّ مَنْ كَانَ مَعَهُ: ”اعْزِلُوا الآلِهَةَ الْغَرِيبَةَ الَّتِي بَيْنَكُمْ وَتَطَهَّرُوا وَأَبْدِلُوا ثِيَابَكُمْ.  وَلْنَقُمْ وَنَصْعَدْ إِلَى بَيْتِ إِيلَ، فَأَصْنَعَ هُنَاكَ مَذْبَحًا ِللهِ الَّذِي اسْتَجَابَ لِي فِي يَوْمِ ضِيقَتِي، وَكَانَ مَعِي فِي الطَّرِيقِ الَّذِي ذَهَبْتُ فِيهِ“.  فَأَعْطَوْا يَعْقُوبَ كُلَّ الآلِهَةِ الْغَرِيبَةِ الَّتِي فِي أَيْدِيهِمْ وَالأَقْرَاطَِ الَّتِي فِي آذَانِهِمْ، فَطَمَرَهَا يَعْقُوبُ تَحْتَ الْبُطْمَةِ الَّتِي عِنْدَ شَكِيم» (تك35: 1-4).

واضح أن الله كلَّم يعقوب عن المذبح، إلا أن يعقوب - الفاهم هنا - عندما وجَّه حديثه لبيته حدَّثهم عن التطهير أولاً.  وهنا نجد معنى واضحًا للانفصال، إنه ليس فقط الخروج من دوائر خاطئة للشركة إلى الدائرة الصحيحة، لكنه أيضًا تطهير شخصي من كل شر أدبي علق بالنفس في طريق البرية.  «َتَطَهَّرُوا وَأَبْدِلُوا ثِيَابَكُمْ»، «ثُمَّ رَحَلُوا...  فَأَتَى يَعْقُوبُ إِلَى...  بَيْتُ إِيلَ...  وَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحًا» (ع5-7).  إن الطريق إلى مذبح بيت إيل هو: التطهير.

واضح أن يعقوب كانت لديه معرفة غير قليلة باشتراطات المذبح أدبيًا في حياته، وحياة أسرته.  إلا أن معرفة الحقائق الصحيحة عن الانفصال وشروط السجود الصحيح للرب لا تكفي وحدها.  كان ينبغي أن يسمع قول الله له «قم»، «اِصعد»، و«أقم هناك»؛ ليصلح أن يسجد سجودًا صحيحًا ومقبولاً بعد ذلك.  أوَلسنا اليوم بحاجة ماسة إلى ذات الأفعال الإلهية الثلاث قبل أن نسجد، أو قُل: قبل أن ندَّعي السجود؟

3.  زربابل ..  (عز1-3)
الانفصال محطة ..  وغايتها السجود
عند تمام كلام الرب بفم إرميا النبي، وانقضاء السبي البابلي (70 سنة)، نبّه الرب روح كورش ملك فارس ليطلق نداءه الشهير لعودة مَنْ يرغب من الشعب ليصعد إلى أورشليم ويبني بيت الرب.  وكان في مقدمة الراجعين زربابل، الذي حالما وصل هو ومَنْ معه بنوا مذبح إله إسرائيل ليُصعِدوا عليه محرقات كما هو مكتوب في شريعة موسى رجل الله.  وأقاموا المذبح في مكانه، وأصعدوا عليه محرقات للرب، محرقات الصباح والمساء.  وحفظوا عيد المظال كما هو مكتوب ومحرقة يوم فيوم بالعدد كالمرسوم أمر اليوم بيومه (عز1: 1-6؛ 2: 1،2؛ 3: 1-7).

إنه في أصعب الأيام، وحيث نرى أقل الأعداد، يمكن أن يُقدَّم للرب أسمى سجود (محرقات) ونعيِّد  أطول الأعياد (المظال) وهو آخر أعياد الرب بحسب لاويين 23 بشرط واحد: هو أن يكون مسار رحلتنا قد مَرَّ بمحطة الانفصال الصحيح!
فالانفصال وسيلة ..  والغاية هي السجود!
لم يكن تحرُّك هؤلاء الأفاضل؛ البقية الأمينة، من بلاد سبيهم صاعدين إلى أورشليم بغرض الحنين إلى الوطن، أو إحياء الذكريات القديمة، أو العودة إلى أرض الآباء والأجداد، لكن الغرض هو البيت، بيت الله؛ وغايتهم المذبح وتقديم نصيب الله أولاً (المحرقات)!  إن الذين يظنّون أن الانفصال غاية في حد ذاته هم مخطئون، والذين يظنون أن مجرَّد كونهم في ”المكان الصحيح“ فهذا معناه أنهم بلغوا مقصدهم هم واهمون.

والآن، قبل أن نستكمل جولتنا، أرجو أن يلاحظ القارئ العزيز أن الأمثلة السابقة شملت:

انفصال الفردç  إبراهيم
وانفصال العائلةç يعقوب
وانفصال الجماعة (أو البقية) ç أيام زربابل وعزرا.
والآن إلى بعض الأمثلة من العهد الجديد...
4.  المسيح ..  والهيكل (يو2؛ مت23)
الانفصال تحرير ..  لانطلاق السجود
عندما أتى المسيح متجسِّدًا، ماذا وجد في إسرائيل؟  وجد عبادة شكلية جنبًا إلى جنب مع الشرور القلبية.  وجد حرصًا على المظهر فاق الحد، وإهمالاً للجوهر فاق التصوُّر!  وجد التعاليم الإلهية وقد حوَّلها الإنسان إلى ديانة الجسد، إلى طريق قايين: أول متديّن، وأول قاتل كذلك.  وكان الهيكل وقتها صورة معبِّرة عن هذا الحال الأسيف!  وكان الكتبة والفريسيون المراؤون هم عنوان التديّن.  من الخارج قبور مبيّضة، ومن الداخل عظام أموات وكل نجاسة!  وظهرت قمة المتناقضات الدينية في عدم رغبة قادة الأمة في الدخول إلى بيلاطس لئلا يتنجّسوا فيعملوا الفصح، بينما هم ينادون في ذات اللحظة بصلب المسيح!!  حقًا يا لأعماق الشيطان (رؤ2: 24)!!
لقد بدأ المسيح رحلته مع الهيكل بتطهيره الشهير له (يو2: 13-17) عندما وجده مجالاً للباعة والمشترين، ليس فقط من بائعي البقر والغنم والحمام، لكن - والأخطر من ذلك - من تجّار الدين وبائعي الوهم للنفوس!  فما كان منه عند نهاية رحلته إلا أن يقول لليهود «هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا» (مت23: 38؛ لو13: 35).  فما عاد البيت ”بيت الله“، وما عادت العبادة عبادة الرب، إذ صارت الأعياد لا للرب بل لليهود (يو7: 2).

وهنا نتعلم أن الانفصال عن شكليات العبادة هو الطريق الوحيد لانطلاق السجود.
فقد أجاب - له المجد - عن سؤال المرأة السامرية بخصوص مكان السجود بقوله الخالد: «يَا امْرَأَةُ، صَدِّقِينِي أَنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ، لاَ فِي هذَا الْجَبَلِ، وَلاَ فِي أُورُشَلِيمَ تَسْجُدُونَ لِلآبِ... وَلكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ، وَهِيَ الآنَ، حِينَ السَّاجِدُونَ الْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ، لأَنَّ الآبَ طَالِبٌ مِثْلَ هؤُلاَءِ السَّاجِدِينَ لَهُ.  اَللهُ رُوحٌ.  وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا».  ليت الرب يرحمنا ويحرِّرنا من شكليات السجود وطقسية العبادة وروتينية التديّن؛ فننطلق بعمل الروح القدس فينا نحو آفاق السجود الحقيقي والذي هو «بالروح والحق».

5.  المولود أعمى ..  (يو9)
الانفصال حتمي ..  بدونه لا سجود
لقد أنعم الرب على المولود أعمى بنعمة البصر والبصيرة معًا.  وقد خضع ذلك الرجل ”للتحقيق الديني“ مرتين (يو9: 13،24) من جانب الفريسيين المتدينين ومجمعهم.  ولما لم يستطيعوا الصمود أمام حقيقة ما حدث، وأمام المنطق البسيط لذلك الشخص، شتموه وفي النهاية «أَخْرَجُوهُ خَارِجًا» (ع34).  فماذا حدث بعد ذلك مباشرة؟  «فَسَمِعَ يَسُوعُ أَنَّهُمْ أَخْرَجُوهُ خَارِجًا، فَوَجَدَهُ وَقَالَ لَهُ: ”أَتُؤْمِنُ بِابْنِ اللهِ؟“ أَجَابَ ذَاكَ وَقَالَ: ”مَنْ هُوَ يَا سَيِّدُ لأُومِنَ بِهِ؟“ فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: ”قَدْ رَأَيْتَهُ، وَالَّذِي يَتَكَلَّمُ مَعَكَ هُوَ هُوَ!“.  فَقَالَ: ”أُومِنُ يَا سَيِّدُ!“.  وَسَجَدَ لَهُ» (يو9: 35-38).

لاحظ هنا أن هذا الرجل البسيط لم يكن يمتلك دفوعًا دينية أو حتى معرفة كتابية كافية تمكّنه من مواجهة اليهود، كأن يخبرهم مثلاً بأن موضوع تفقّح أعين العميان هو من صميم عمل المسيّا (إش35: 5).  وبالتالي فمن المرجح جدًا أنه ما كان ليستوعب ضرورة انفصاله عن هذا المجمع اليهودي الذي مثّل في زمانه قمة الرموز الدينية عندهم.  فشاءت إرادة الله أن يكون خروجه من جانبهم «أخرجوه خارجًا».  ولاحظ جمال هذه التركيبة: ”أخرجوه...  فوجده...  وسجد له“.
اليهود  çأخرجوا المولود أعمى من مجمعهم ..
والمسيح ç وجده ..
وهوç  سجد للمسيح في النهاية!
ومن هنا نتعلم أن الانفصال ليس قرارًا اختياريًا، بل إنه أمر حتمي بدونه لا سجود. 

أ كان بإمكان هذا الرجل أن يدرك أبعاد عظمة شخص المسيح وهو داخل المجمع؟  وبالتالي: أ كان بإمكانه تقديم السجود له وهو في شركة مع هؤلاء المتدينين؟  إن الإجابة القاطعة هي: كلا بالطبع.  وهي واضحة كشمس النهار.  وأحيانًا، عندما يجدنا الرب مترددين في اتخاذ خطوة الانفصال، يجعل - في سيطرته على الناس وعلى الأحداث - سبيلاً يدفعنا دفعًا لنخرج، فنجد شخصه، ونعرفه معرفة أعمق، وفي النهاية: نسجد له!

6.  العبرانيون المؤمنون ..  (عب13)
الانفصال إلى ..  موضوع السجود
دعا الرسول بولس الإخوة العبرانيين إلى الخروج من دائرة اليهودية التي صارت ”محلَّة“ دينية، وذلك إلى غرض محدَّد، بل إلى شخص محدَّد «يَسُوعُ...  لِكَيْ يُقَدِّسَ الشَّعْبَ بِدَمِ نَفْسِهِ، تَأَلَّمَ خَارِجَ الْبَابِ.  فَلْنَخْرُجْ إِذًا إِلَيْهِ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ حَامِلِينَ عَارَهُ» (عب13: 12،13).  ثم يردف بعدها قائلاً «فَلْنُقَدِّمْ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ ِللهِ ذَبِيحَةَ التَّسْبِيحِ، أَيْ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِاسْمِهِ» (ع15).

بعد بضع سنوات قلائل من كتابة هذه الرسالة جاء تيطس الروماني ودمّر الهيكل اليهودي سنة 70م كما يذكر لنا التاريخ.  إلا أن هذه الدعوة الإلهية للانفصال كانت أسبق.  فسواء كان النظام الديني نجمه يلمع أو آخِذ في الأفول: علينا أن نخرج، ليس مجرَّد أن نخرج منه، لكن أن نخرج «إليه»، أي إلى شخص المسيح!

إن الغرض الوحيد الصحيح للانفصال عن الشر بكل صوره ينبغي أن يكون هو شخص المسيح، والمسيح وحده، الذي هو موضوع السجود!  لذا فلا غرابة أن يُلحِق دعوته إلى الخروج إلى المسيح في ع 13، بدعوته إلى السجود «ذبيحة التسبيح» في ع 15، كثمر شفاه معترفة باسمه - له كل المجد.

سيظل المسيح موضوع امتحان لكل شيء، ولكل شخص، ولكل قرار.  فهل نهتف مع المرنم قائلين بقلوب صادقة: غايتي المسيح..  غايتي المسيح؟

7.  الفيلادلفيون الأمناء ..  (رؤ3)
الانفصال ضريبة ..  يستحقها السجود
يُذكر عن الفيلادلفي الأمين جملة صفات رائعة استحقت مديح السيد (رؤ3: 7-13).  ورغمًا عن أنه لم يُسجِّل عنه بصريح العبارة أنه ”سجد“، إلا أننا نقرأ هنا عن وصف تفصيلي دقيق، وبيان تشريحي مفصَّل لأعماق الساجد الحقيقي الذي يُكرم المسيح.  لكن لاحظ هنا كُلفة هذه الأمانة وهذا السجود، فمستقبَلاً له الوعد «وَلاَ يَعُودُ يَخْرُجُ إِلَى خَارِجٍ» (ع12).  مما يعني أن نصيب الأمين الآن هو أن يخرج إلى خارج، منفصلاً عن كل دوائر الشركة التي يرتبط بها الإثم.
ومن هنا نتعلم: أن
الانفصال الصحيح مكلِّف ومؤلم..  ولكنه ضريبة يدفعها الأمين ليعيش ساجدًا حقيقيًا.

إن سجود إبراهيم كلَّفه أن يأخذ ابنه الوحيد الحبيب..
 وسجود المجوس كلَّفهم مشقة السفر وعناء البحث وكنوزًا تُفتَح وتُقَدَّم..
    وسجود مريم كلَّفها قارورة الطيب التي من ناردين خالص كثير الثمن.
السجود مكلِّف..  والانفصال ثمن ندفعه.  لكن: أَوَ لا يستحق المسيح؟!!
ليت شعارنا يكون: ومن أجلك كل تضحيةٍ تهون.

الخلاصة
لا سجود صحيح..
 ولا ساجدون حقيقيون..
  بدون انفصال صحيح.
فلا سجود إلا ويرتبط بإعلان الله عن اسمه، وعن ذاته.  ولا إعلان لله عن اسمه وعن ذاته، بدون انفصال حقيقي.

أيها الأحباء: يا ليتنا نأخذ قرارنا ونخرج إذًا إليه، منفصلين عن كل نظام أو هيئة أو جماعة لا تُكرِم المسيح حقًّا وصِدقًا، في ضوء كلمة الله، وعلى ميزان شاقل القدس.  ولنعلم أننا إذ نطيع دعوة الرب هذه، فإننا نضع أقدامنا على الطريق السليم المؤدّي للسجود الصحيح.

ويا ليتنا لا نكتفي بذلك، بل نفحص أنفسنا في ضوء المكتوب كل يوم، «لِنُطَهِّرْ ذَوَاتِنَا مِنْ كُلِّ دَنَسِ الْجَسَدِ وَالرُّوحِ، مُكَمِّلِينَ الْقَدَاسَةَ فِي خَوْفِ اللهِ» (2كو7: 1)، فنعيش ساجدين حقيقيين من الآن، قبل أن يكتمل سجودنا من حوله في بيت الآب عن قريب، وهناك لن نكون بحاجة للخروج إلى خارج فيما بعد

إسحق إيليا