أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - الفرح
السنة 2014
الفرح الحقيقي للخليقة الجديدة
«يَسُوعَ الْمَسِيحِ ... إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَرَوْنَهُ الآنَ لَكِنْ تُؤْمِنُونَ بِهِ،
فَتَبْتَهِجُونَ بِفَرَحٍ لاَ يُنْطَقُ بِهِ وَمَجِيدٍ» (1بط1: 8)

إن فرح المؤمنين الحقيقي هو فرح القيامة التي فرَّحت البشرية المفدية كلها.  إنه فرح مرتبط بالخليقة الجديدة ولا انفصال بينهما.  وهذا الفرح قد ملأ حياة التلاميذ ووِجدانهم يوم القيامة.  وهو فرح بأثر رجعي، يوم غطى على كل ما تركه الصليب وآلام المسيح والموت والإنكار والهروب من جروح دامية في قلوب التلاميذ.  ولا زال أثره الرجعي يعمل في قلوب التائبين كل يوم لأكثر من ألفي عام، إذ يُنسيهم ماضيهم الأثيم.  إنه فرح مُستمر فوق الزمن والخليقة الحاضرة، وهو الذي يعوِّضنا عن كل خسارة في طريق ربحنا للمسيح.  وهو القوة الدائمة والمشجِّعة والدافعة لجهادنا اليومي، كما أنه عربون لأفراح كنعان الأبدية.

أولاً: فرح الروح بين الأفراح

الفرح الذي يهَبه لنا الرب من لحظة إيماننا (1بط1: 8) ليس على مستوى الجسد أو النفس فقط، ولكنه أساسًا على مستوى الروح.  إنه فرح في الإنسان الباطن.  أما الفرح الجسدي فهو نتاج إشباع شهوات الجسد، وكل مُتعقِّل يتذوَّق هذا الفرح بكل انضباط.  والفرح على مستوى النفس هو حصاد زرع وتعب وكَدّ، وتحت مظلة هذا النوع يندرج كل فرح لأي نجاح زمني مشروع (جا2: 10).  ومصادر هذا الفرح زمنية وقتية.  وكِلا الفَرحين: الجسدي والنفسي، طبيعي، وفي محله، طالما في نطاق مشيئة الله.

وأما فرح الروح (غل5: 22)، وهو نفسه فرح الملكوت (رو14: 17)، فهو فرح لا يُنطَق به ومجيد (1بط1: 8)، وهو ذاته الفرح في الرب (في4: 4).  وهو ما أطلق عليه - تبارك اسمه - «فَرَحِي» (يو15: 11).  وبواعث الفرح الروحي إلهية وروحية، ترتبط بالخليقة الجديدة، ومصدره المسيح في المجد (رأس الخليقة الجديدة)؛ لذلك فتأثيره أسمى جدًا من تأثير كل الأرضيات الباعثة للفرح النفسي.  وفرح الروح عادةً ما يفرغنا من ذواتنا ويُنسينا أنفسنا.  بينما أسمى فرح على مستوى النفس يشغلنا بأنفسنا وبما حقَّقناه، ويعظِّم ذواتنا وما أنجزناه.

ثانيًا: تعريف فرح الروح وتكوينه

يصعب تعريف فرح الروح، ولكن يسهل تذوُّقه.   وللتبسيط أقول: إنه الهدوء الجليل لقلب نقي.  والقلب النقي لا بد قد تدَّرب أن يُثبِّت عينه على المسيح في المجد، مصدر الفرح.  ومن المجد ينساب السلام في القلب.  واذ لا يجد هذا النبع السماوي ما يعيق جريانه (خطية)، فإنه يفيض في القلب بفرح غامر، وسلام عميق كالنهر.

ثالثًا: طابع الفرح الحقيقي

الفرح في الرب لا علاقة له بالضحك، ولم يُذكر إطلاقًا عن رب المجد (مصدر الفرح) أنه ضحك، ولم يذكر ذلك عن الرسول بولس رسول الفرح.  والضحك ليس خطأ، طالما في وقتهِ، وفي حدود ووقار؛ ولكنه ليس تعبيرًا عن فرح الروح، والذي يتميَّز بأنه:

1- لا يُنطَق به ومجيد: (1بط1: 8). فإيماننا الحقيقي (منذ لحظة تسليم الحياة للمسيح) يبتهج بفرح تعجز الكلمات عن وصفه.  إنه فرح مُمتلئ بالأمجاد السماوية.  وبفرح الإيمان هذا وقوَّته، بدأ كل مؤمن طريقه مع المسيح.

2- كاملٌ: «وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ الآبِ وَمَعَ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.  وَنَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هَذَا لِكَيْ يَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً» (1يو1: 3، 4).  وسر كماله إنه نتاج الشركة مع الله، وهي قمة ما يتمنَّاه القلب البشري فيكمُل فرحه بها.

3- دائم: فأمر الوحي لنا من الرسول الأسير أن «اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ» (في4: 4).

4- مرتبط برؤيتنا للرب: فغياب المسيح ولَّد البكاء والنوح للتلاميذ (يو16: 20، 22).  وإذ رأوا الرب فرحوا فرحًا عظيمًا (لو24: 41؛ يو20: 20).

5- ثابت في قلوبنا، ولا يمكن لأحد أن ينزعه منا (إلا بغباوتنا وخطايانا):  إنه فرح المسيح ليلة صليبه، والقوة الساندة له في مُحاكمته؛ عبرَ الدينونة الإلهية، فأخرج لنا فرح القيامة، والذي يستمد مصادره من المجد.  ولا يمكن لظرف أن يزحزحه طالما المؤمنون يرونه بعيون إيمانهم.

رابعًا: مصدر الفرح   

الرب وحده «اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ» (في4: 4).  والطبيعة الساقطة فينا لا تؤمن بهذا ولا تصدِّق هذا.  وفي إشراقة وجه الابن الكريم، نجد الفرح الذي لا تُفسده الأحزان.  وفي الملء بالروح القدس، تفيض ينابيع الفرح، وتخفِّض كل مقاييس لأفراح مُغايرة.  وهذا الينبوع الإلهي للفرح كافٍ لكل وقت، ولكل الظروف.

إن الله فيه كل الكفاية ليغمر بالفرح الكامل كل نفس لا تبغي إلا مشيئته ومشيئته فقط، وخلاص نفسها والآخرين، بكل هدوء، وكفى.
أشرف يوسف