أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - الفرح
السنة 2014
الروح القدس مصدر الفرح
«ثَمَرُ الرُّوحِ ... فَرَحٌ» (غل5: 22)

إن الله أبانا في نعمته الغنية، بعدما أرسل ابنه متمِّمًا بالموت والقيامة أمر تبريرنا، أرسل روح ابنه إلى قلوبنا ليمتِّعنا بهذه العلاقة الجديدة مع الآب؛ علاقة التبني (غل4: 4-7).

الروح القدس يستطيع، بل ويهدف إلى، أن يُظهر في الإنسان الذي يسكن فيه سلوكيات أدبية تجعله أكثر شبهًا بالمسيح، وهذه السلوكيات هي التي أطلق عليها الرسول بولس: «ثَمَرُ الرُّوحِ».  والفرح هو أحد تلك الأثمار (غل5: 22، 23).

سبب الفرح بالروح القدس

لم يحدث أن كان المنهج الذي يعتمده الروح القدس في إنشاء الفرح في المؤمن هو استخدام المؤثرات النفسية لتتفاعل معها المشاعر الإنسانية، فتنتج في المؤمن مشاعر الفرح.  لكن المنهج الذي طالما استخدمه الروح القدس هو مخاطبة روح المؤمن الإنسانية - وهي مركز العقل والإدراك - بكلمة المسيح، التي تستحضر أمجاد المسيح أمام ذهن المؤمن وقلبه (كو3: 16). 

هذا ما أوضحه يوحنا الرسول عندما تكلَّم عن الفرح الكامل المؤسَّس على الشركة مع الآب ومع ابنه، وأراد أن يشاركه باقي أولاد الله هذا الاختبار (1يو1: 3، 4).  وبالطبع لا مجال لشركة المؤمن مع الآب والابن إلا بالروح القدس.  فكلّما تجاوب المؤمن مع رغبة الروح القدس، وأخلى ذهنه من الانشغال بذاته، سواء زمنيًا أو حتى روحيًا، وتفكَّر في أمجاد المسيح، كلما تمتع بالفرح الكامل عمليًا.

قوة الفرح بالروح القدس

عندما قال الرب مثل الزارع، كان يتكلَّم عن مسؤولية الإنسان في التجاوب مع كلمة الله، فقال عن المزروع على الأماكن المحجرة: «هُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ، وَحَالاً يَقْبَلُهَا بِفَرَحٍ، وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي ذَاتِهِ، بَلْ هُوَ إِلَى حِينٍ.  فَإِذَا حَدَثَ ضِيقٌ أَوِ اضْطِهَادٌ مِنْ أَجْلِ الْكَلِمَةِ فَحَالاً يَعْثُرُ» (مت13: 20، 21).  إن الإنسان الذي يفرح بكلمة الله دون أن يكون مولودًا منها، لن يستمر فرحه بها، خاصةً إذا حدث ضيق أو اضطهاد بسبب كلمة الله.  يا لتعاسة الإنسان الطبيعي!  فهو يريد أن يفرح بكلمة الله ويظل في توافق مع العالم، وهيهات أن يحدث ذلك.  لكننا بحسب رسالة تسالونيكي، نجد أن المؤمنين قبلوا الكلمة «فِي ضِيقٍ كَثِيرٍ، بِفَرَحِ الرُّوحِ الْقُدُسِ» (1تس1: 4-7)؛ فالذي اجتذبهم لابنه يستطيع أن يحفظهم بالروح القدس مرفوعي الرأس، وفرحين بالرغم من الاضطهاد. 

هذه هي إمكانيات روح الله الساكن فينا، فهو قد ربطنا بالسماء، فجعل ما يحدث على الأرض لا يصلح أن يكون سببًا لأفراحنا، حتى لو كان في صالحنا، ولا يصلح أن يكون سببًا لأحزاننا، حتى لو لم يكن في صالحنا.  هذا أيضًا ما نقرأه عن حالة التلاميذ في أنطاكية بيسيدية؛ فبرغم وقوع الاضطهاد عليهم «كَانُوا يَمْتَلِئُونَ مِنَ الْفَرَحِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ» (أع13: 48-52).

مظاهر الفرح بالروح القدس

لقد ربط الكتاب بين أروع حالة نفتقدها كثيرًا في أيامنا الحاضرة، وهي الملء بالروح القدس، وبين حالة الترنيم والشكر (أف5: 18-20).  فالترنيم يُعد مظهرًا خارجيًا للفرح القلبي (يع5: 13).  إن القلب المُرنم هو القلب الممتلئ بشخص المسيح، فليس شخص آخر يملك القدرة على أن يجعل القلب يُرنم وسط مسببات الحزن الكثيرة. 

لكن الشكر أيضًا يُعَدّ مظهرًا خارجيًا للفرح (في4: 4-7).  فإن كان الألم هو الطريق المعتاد لدى إله كل نعمة في سياسته معنا ليُظهر فينا حياة المسيح أدبيًا، لكنه أعطانا الحق في أن نمتلئ بروحه ليُنشئ فينا الشكر رغم شدة الألم.  والشكر يتمثل فينا، سلبيًا، في عدم التذمر، لكن روح الله يستطيع أن يسمو بنا فوق ذلك بكثير ليجعل الشكر يتمثل فينا، إيجابيًا، بخضوعنا لإرادة الله، وتيقُّننا من أنها صالحة ومرضية وكاملة.

وهكذا نرى أن الفرح الذي يُنشئه الروح القدس في المؤمن يختلف عن الفرح الذي يُقدِّمه العالم؛ سواء في سببه، أو في قوة صموده، أو في مظهره الخارجي.

وثمة سؤال يطرح نفسه بعد أن تكلَّمنا عن الروح القدس كمصدر للفرح: هل وجود الروح القدس في المؤمن يضمن استمرارية أفراحه، أم أن هناك مسؤولية على المؤمن تجاه الروح القدس ليتمكن من إنشاء الفرح فيه؟  بالطبع هناك مسؤولية.

إحزان الروح القدس

يقول الكتاب: «وَلاَ تُحْزِنُوا رُوحَ اللهِ الْقُدُّوسَ الَّذِي بِهِ خُتِمْتُمْ لِيَوْمِ الْفِدَاءِ» (أف4: 30).  من المُلاحظ في الجزء الذي وردت فيه هذه الآية، أن الرسول يقدِّم تحذيرات من أمور تبدو خطيرة في عيني الناس، لكن وسط هذه التحذيرات يحذر حتى من خروج كلمة ردية من أفواهنا، وكأنه يريد أن يقول إن روح الله يحزن من الأمور التي تبدو صغيرة، تمامًا كما يحزن من الأمور التي تبدو كبيرة. 

فماذا لو أحزنت الروح القدس؟  هل يستطيع أن يفرحني آنذاك؟ 

بالطبع لا.  دعونا نأخذ في اعتبارنا، ونحن في هذا العالم، قداسة روح الله الساكن فينا، فنحترس - لا من الشر فقط - بل من شبه الشر أيضًا.  إن أبسط كمية من غبار البرية إذا لصق برجليَّ - حتى لو كان رغمًا عني، سواء بالسمع أو النظر - يحتاج إلى تنقية فورية بماء الكلمة.

ليتنا نطلب من الرب أن يختبر قلوبنا في نور حضرته، لكي نسلك في النور؛ فلا نُحزن الروح القدس فينا.

•     فرح الرب هو ثلاثي؛ فرحه في فدائه لنا، فرحه في سكناه داخلنا كمخلِّصنا وقوَّتنا للإثمار، وفرحه في امتلاكه لنا، كعروسه ومسرَّته.  الوعي الحقيقي بهذا الفرح، هو مصدر قوتنا الحقيقية.  فرحنا به قد يكون متغيرًا، أما فرحه فينا لا يعرف أي تغيير.  (هدسون تايلور)
أمجد ماهر