أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - الفرح
السنة 2014
افْرَحُوا أَنَّ أَسْمَاءَكُمْ كُتِبَتْ فِي السَّمَاوَاتِ
«لاَ تَفْرَحُوا بِهذَا: أَنَّ الأَرْوَاحَ تَخْضَعُ لَكُمْ،
بَلِ افْرَحُوا بِالْحَرِيِّ أَنَّ أَسْمَاءَكُمْ كُتِبَتْ فِي السَّمَاوَاتِ» (لو10: 7)


دار في خيالي ذات مرة أنني كنت في مكتب الصحّة، وهناك وجدت رجلاً بدينًا يقترب من عامه الستين، يجلس وراء مكتب مصنوع من الصاج الخفيف على كرسي متهالك، وأمامه سِجلِّين من السجلات الحكومية الكبيرة التي عندما تُفتَح يكون أحد طرفيها على جانب المكتب والطرف الآخر تعدّى الحد الآخر للمكتب.

وكان يقف أمامه رجلين، الأول يُدْلي بمعلومات مثل الاسم واسم الأب واسم الأم ... إلخ.  فيقوم بتدوينها في هذا أحد السِجِلّين، وهو منفرج الأسارير ويقول للشخص الواقف أمامه: ”ألف مبروك، يتربى في عِزَّك“.  وبعدها يردف قائلاً: ”ياللا عايزين الحلاوة يا عم“.

ولكن على العكس تمامًا عندما رأيته يفتح السجل الآخر للشخصٍ الآخر، وهو يسأل أيضًا عن الاسم والسن واسم الأب والأم ... إلخ.  فيدون البيانات وهو منقبض الأسارير ويتمتم بصوت خافت، مستغفرًا الله.

هذان المشهدان دفعاني لسؤال الموظف، بعد أن انصرف الرجلان اللذان كانا يقفان أمامه: ما هذان السجلان؟!  
وهنا وضع الرجل قلمه على المكتب ورجع بظهره إلى الخلف وأخذ نَفَسًا عميقًا، ورفع يده اليمنى وخبط على السجل الأول، وقال: ”شوف يا أستاذ، الدفتر ده اسمه دفتر المواليد“، وبجملة استدراكية أردف قائلاً: ”عقبال عندك“.  ثم رفع يده اليسرى ووضعها على السجل الثاني وقال: ”أما الدفتر ده“، وبجملة اعتراضيًّة، نظر إليَّ قائلاً: ”بعيد عنًّك وربنا يديك طولة العمر؛ دفتر الوفيات“.  ثم أكمل قائلاً: ”أصل يا بيه، الأسامي اللي في الدفتر الأول ها ييجي عليها يوم تتنقل إلى الدفتر الثاني؛ يعني من دفتر المواليد إلى دفتر الوفيات“.

وهنا بدأ الحوار ينحو منحًى آخر.  فقلت للرجل: ”لكن ما ينفعش ننقل الأسماء من الدفتر الثاني - وأشرت بأصبعي لسجل الوفيات – إلى الدفتر الأول (مشيرًا أيضًا إلى سجل المواليد)؟“

وهنا قهقه الرجل قائلاً بصوت عالٍ، ليشُدّ انتباه كل من في الغرفة: ”يا سبحان الله! انت بتهذّر يا أستاذ.  ده طريق اتجاه واحد فقط.  يعني زي ما بيقولوا الخواجات one way“.
وهنا قلت له: ”لكن عندي ليك خبر سار“.  
فقال: ”ما هو؟“  
قلت له: ”أعرف شخصًا يستطيع أن ينقل الأسماء من دفتر الوفيات إلى دفتر المواليد، ومن يُكتب اسمه بهذه الطريقة يغمره فرح لا ينطق به ومجيد“.

فقال لي بتحدٍّ شديد ونبرات كلها استهجان واستنكار: ”مفيش إنسان على وجه الأرض يقدر يعمل اللي أنت بتقول عليه“.
أجبته: ”هذا صحيح ولكن هذا الشخص الذي أقول لك عنه هو الرب يسوع المسيح الذي قال مرة: «اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ، حِينَ يَسْمَعُ الأَمْوَاتُ صَوْتَ ابْنِ اللهِ، وَالسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ» (يو5: 25)، وساعتها يتولد الإنسان من جديد، وينتقل من سجل الوفيات إلى سجل المواليد، وتمتلئ النفس بالأفراح الغامرة التي لا تدانيها أفراح العالم“.

كثيرٌ من الناس بعد أن يُولدوا الولادة الطبيعية، وتُكْتَبْ أسماءهم في سجل المواليد، ويشُقُوا طريقهم في الحياة، يبدأون رحلة البحث عن الفرح، ويبذلون الجَهد المضني لكي تُكتب أسماءهم في سجلات النجاح الزمني؛ فمنهم من يتوق لكتابة اسمه في سجلات الفن، أو السياسة، أو الرياضة، أو البيزنس، أو العلم، ويريدون أن تكون أسماءهم ذائعة الصيت، ولكن هذه لا تجلب الأفراح.  وحتى في الدوائر الروحية مثل الخدمة أو المواهب، ليست هي مصدر الفرح، وهذا ما أعلنه الرب للتلاميذ، حين أرسل السبعين رسولاً أمام وجهه «فَرَجَعَ السَّبْعُونَ بِفَرَحٍ قَائِلِينَ: «يَا رَبُّ، حَتَّى الشَّيَاطِينُ تَخْضَعُ لَنَا بِاسْمِكَ!  فَقَالَ لَهُمْ: ... لاَ تَفْرَحُوا بِهذَا: أَنَّ الأَرْوَاحَ تَخْضَعُ لَكُمْ، بَلِ افْرَحُوا بِالْحَرِيِّ أَنَّ أَسْمَاءَكُمْ كُتِبَتْ فِي السَّمَاوَاتِ» (لو10: 7).

ومن هذا الإعلان نستنتج على الأقلّ ثلاثة أسباب تجعلنا نفرح لكتابة أسمائنا في السماوات:

(1) نفرح لأننا أصبحنا سماويين
أي شهادة ميلادنا هي من السماء.  وهذا ما ذكره الرسول بولس مُقارنًا مَن يهتمون بالأرضيات مع مَن كُتِبَت أسماؤهم في السماوات، فقال: «الَّذِينَ نِهَايَتُهُمُ الْهَلاَكُ، الَّذِينَ إِلهُهُمْ بَطْنُهُمْ وَمَجْدُهُمْ فِي خِزْيِهِمِ، الَّذِينَ يَفْتَكِرُونَ فِي الأَرْضِيَّاتِ.  فَإِنَّ سِيرَتَنَا نَحْنُ هِيَ فِي السَّمَاوَاتِ، الَّتِي مِنْهَا أَيْضًا نَنْتَظِرُ مُخَلِّصًا هُوَ الرَّبُّ يَسُوعُ الْمَسِيحُ، الَّذِي سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ، بِحَسَبِ عَمَلِ اسْتِطَاعَتِهِ أَنْ يُخْضِعَ لِنَفْسِهِ كُلَّ شَيْءٍ» (في3: 19-21).

(2) نفرح لأن الله أبونا

كما يقول الكتاب: «وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ.  اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُل، بَلْ مِنَ اللهِ» (يو1: 12)، «فَإِنْ كُنَّا أَوْلاَدًا فَإِنَّنَا وَرَثَةٌ أَيْضًا، وَرَثَةُ اللهِ وَوَارِثُونَ مَعَ الْمَسِيحِ» (رو8: 17).

(3) نفرح لأننا ضمنا الحياة الأبدية

المواهب والمعجزات لا تضمن لنا الخلاص ضمانًا أبديَّـًا، لأن الرب نفسه قال: «كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ!  أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟  فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ!  اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ!» (مت7: 22، 23).  ومن هنا نتعلَّم أن صنع المعجزات ليست دليلاً على الخلاص، ولكن كتابة الأسماء في السماوات هي الدليل القاطع والبرهان الساطع على امتلاك المؤمن للحياة الأبدية.

يعقوب جاد