أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - الفرح
السنة 2014
الذهن المسيحي والفرح
الفرح المسيحي الحقيقي مرتبط بالذهن لا بالمشاعر المتذبذبة، وهذا ما نتعلَّمه من رسالة فيلبي، رسالة الفرح المسيحي، الفرح في كل الظروف، بل ورغم كل الظروف.  لقد وردت كلمة ”الفرح“ أو ”السرور“ أو مشتقاتهما 18 مرة في الرسالة، بالرغم من أنه لا يخلو أصحاح من الحديث عن الظروف الصعبة والضيقات التي يواجهها المؤمن المسيحي.

فما سر الفرح إذًا بالرغم من المنغصات والمضايقات؟!

السر موجود في كلمة أخرى تكررت في الرسالة أيضًا هي كلمة ”فكر“ أو ”ذهن“ حيث استخدمها الرسول 12 مرة.  وهكذا نستطيع أن نقول إن سر الفرح المسيحي يكمن في طريقة تفكير المؤمن: في توجهَّاته الفكرية، وقناعاته الشخصية الثابتة.  نعم، إن حياة الإنسان من صنع أفكاره «لأَنَّهُ كَمَا شَعَرَ فِي نَفْسِهِ هَكَذَا هُوَ» (أم23: 7).  والفكر الذي تتبناه ويمتلئ به ذهنك هو الذي يُحدِّد وجود الفرح في حياتك، ومقداره.  ونحن هنا نتحدَّث عن الفرح الناتج عن عمل الروح القدس، عندما يستحضر الله بكل أمجاده، والمسيح بكل كمالاته، والكتاب المقدس بكل روائعه، فيفيض القلب بالفرح، واللسان بالتسبيح.

وقد شرح الرسول بولس - في أصحاحات رسالة فيلبي الأربعة - أربعة مواقف فكرية للذهن يُمكن أن تُنتج فرحًا بالرغم من كل عوامل الحزن والإحباط التي قد تُحيط بالمؤمن: بالرغم من الظروف (ص1)، وبالرغم من نقص الأُمناء (ص2)، وبالرغم من وجود الأعداء (ص3)، وبالرغم من نقص الإمكانيات (ص4).

أولاً: الفكر المُوَحّد (ص1): وهو الذي ليس أمامه سوى هدف واحد وهو أن يتمجَّد المسيح في كل ظروف الحياة.  فلا ينظر إلى الظروف في حد ذاتها، بل بالحري إلى مدى علاقتها بالرب يسوع المسيح، وكيف يُمكن أن تؤول هذه الظروف إلى مجد الرب، وتُصبح وسيلة لتقدُّم الإنجيل، وتساعد في تقوية الشركة مع المؤمنين الآخرين.

وهكذا عندما يكون لك الفكر المُوحَّد فإنك ستفرح بالرغم من ظروفك.

ثانيًا: الفكر المتضع (ص2): وهو الذي يتَّسم بأنه يبحث دائمًا عن خير الآخرين مؤخِّرًا مصلحته الشخصية.  إنه الذهن الذي تحرَّر من التمركز حول الذات، ويبحث عن كل ما هو حَسَن في الآخرين.  إنه يُسرّ بأن يرى مميزات إخوته، ويفسح لهم المجال قابلاً أن يتراجع هو، طالما هذا يؤدي لمجد المسيح.  إنه لا يتشبَّث برأيه فيُصِرّ عليه، بل هو على استعداد أن يقبل الرأي الآخر.  وهو يُعبِّر عن رأيه بكل هدوء ولطف، ويتحاشى الكلام القاسي والأسلوب الجارح.  كما أنه غير منشغل بخدماته مهما كانت أهميتها وفائدتها (في2: 17، 18).

وعندما يكون لك الفكر المُتضع «الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ»، فإنك ستفرح بالرغم من مواقف الآخرين تجاهك.

ثالثًا: الفكر الروحي (ص3): وصاحب هذا الفكر يهتم بما للسماء، ولا يفتكر في الأرضيات.  إنه يفعل شيئًا واحدًا، عبَّر عنه الرسول بالقول: «إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ.  أَسْعَى نَحْوَ الْغَرَضِ لأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ اللهِ الْعُلْيَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (في3: 13، 14).  إنه يُدرك أن جنسيته سماوية، ويتوقَّع مجيء الرب من السماء (ع20، 21).  وهو يتطلع إلى أمور هذا العالم من وجهة نظر سماوية، ويزنها بموازين الأبدية (ع8).  ومَن له هذا الفكر يعرف كيف ”يحسب“ صحيحًا (في3: 7، 8)، و”يسعى“ صحيحًا (ع13، 14)، و”ينتظر“ صحيحًا (ع20، 21).

وعندما يكون لك الفكر الروحي فإنك ستفرح بالرغم من وجود الأعداء، وخسارة الأشياء.

رابعًا: الفكر المطمئن الآمن (ص4): وهو أسلوب تفكير يجعل من صاحبه شخصًا هادئًا لا يتسرب إليه القلق.  إنه الذهن الذي تدرَّب أن يُسلم كل ما يشغله للرب، واعتاد على الصلاة في كل أمور الحياة، فلا يدعها تتحول إلى مسببات للقلق، بل يجعلها مادة «للصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ مَعَ الشُّكْرِ» (في4: 6)، وإذ يُخبر الله بكل ما يشغله ويُقلقه، فسينال منه «سَلاَمُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْلٍ، يَحْفَظُ قُلُوبَكُمْ وَأَفْكَارَكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (ع7).

إنه يعرف يقينًا اهتمام الله به (ع6، 7)، وقوة الله التي تحميه (ع13)، وعناية الله التي تعمل على سداد كل احتياجاته (ع19)، وهكذا يستطيع أن يفرح بالرغم من نقص الإمكانيات.

وبخصوص التغذية المناسبة لأذهاننا، يمدنا بولس بقائمة غذائية من المؤكد أنها ستُثري حياة المؤمن الفكرية: «كُلُّ مَا هُوَ حَقٌّ، كُلُّ مَا هُوَ جَلِيلٌ، كُلُّ مَا هُوَ عَادِلٌ، كُلُّ مَا هُوَ طَاهِرٌ، كُلُّ مَا هُوَ مُسِرٌّ، كُلُّ مَا صِيتُهُ حَسَنٌ، إِنْ كَانَتْ فَضِيلَةٌ وَإِنْ كَانَ مَدْحٌ، فَفِي هَذِهِ افْتَكِرُوا» (في4: 8).  إن المشغولية والتفكر الدائم بهذه الأمور المباركة التي نراها بصورة كاملة في المسيح، تعني أن أفكارنا تُسَرّ وتفرح بالمسيح، وعندئذٍ نختبر القول: «اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، وَأَقُولُ أَيْضًا افْرَحُوا» (في4: 4)
فريد زكي