أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - الفرح
السنة 2014
لا تفرح بسقوط عدوك
إن المحبة الإلهية الحقيقية لا تفرح ولا تشمت في أحزان الآخرين، ولو كانوا يستحقونها، أو كان الشخص المتألم عدوًا لدودًا.  لكن المؤمن الحقيقي، الوديع والمتواضع القلب - إذ يذكر أنه ربيب النعمة - فهو يسلك هادئًا، وله دموعه، لا تهكماته، من أجل ضيقات أعدائه.  وإلا فإن عين الرب تلاحظ، وهو يعاقب ذلك الشخص الذي يفرح بالبلايا والنكبات «لاَ تَفْرَحْ بِسُقُوطِ عَدُوِّكَ، وَلاَ يَبْتَهِجْ قَلْبُكَ إِذَا عَثَرَ، لِئَلاَّ يَرَى الرَّبُّ وَيَسُوءَ ذَلِكَ فِي عَيْنَيْهِ، فَيَرُدَّ عَنْهُ غَضَبَهُ» (أم24: 17، 18).

لقد نال أَخْآبُ - بالكذب والشهادة الزور - شهوة نفسه، وجرَّد جاره ”نَابُوت الْيَزْرَعِيلِيِّ“ مِن مُلكه، بل وقتله.  وقام ونزل بقلبٍ مبتهج ليَرث مُلكِهِ الجديد، لكن في لحظة تبدَّدت كل أفراحه وسعادته!  فلقد كان إيليا ينتظره في كَرْم نَابُوتَ، وقد أمره الرب أن يُخبر الملك بالعقاب الذي ينتظره: «هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هَلْ قَتَلْتَ وَوَرِثْتَ أَيْضًا؟ ... فِي الْمَكَانِ الَّذِي لَحَسَتْ فِيهِ الْكِلاَبُ دَمَ نَابُوتَ تَلْحَسُ الْكِلاَبُ دَمَكَ أَنْتَ أَيْضًا» (1مل21: 19؛ 22: 38).

ولقد فرح ”هَامَان بْنَ هَمَدَاثَا الأَجَاجِيَّ“ باستصدار مرسوم الملك الذي يقضي بإبادة كل شعب اليهود «فَخَرَجَ السُّعَاةُ وَأَمْرُ الْمَلِكِ يَحِثُّهُمْ ... وَجَلَسَ الْمَلِكُ وَهَامَانُ لِلشُّرْبِ» (أس3: 15).  وازدادت فرحة هَامَان عندما «قَالَتْ لَهُ زَرَشُ زَوْجَتُهُ وَكُلُّ أَحِبَّائِهِ: «فَلْيَعْمَلُوا خَشَبَةً ارْتِفَاعُهَا خَمْسُونَ ذِرَاعًا، وَفِي الصَّبَاحِ قُلْ لِلْمَلِكِ أَنْ يَصْلِبُوا مُرْدَخَايَ عَلَيْهَا، ثُمَّ ادْخُلْ مَعَ الْمَلِكِ إِلَى الْوَلِيمَةِ فَرِحًا.  فَحَسُنَ الْكَلاَمُ عِنْدَ هَامَانَ وَعَمِلَ الْخَشَبَةَ» (أس5: 14).  وظنَّ هَامَان أن كل مشكلاته حُلَّت، وسيبدأ يتمتع بالنعيم الذي هو فيه، ولم يَدرِ أن الموت كان يقترب منه بأسرع مما يظن!  لقد دارت الدائرة «فَصَلَبُوا هَامَانَ عَلَى الْخَشَبَةِ الَّتِي أَعَدَّهَا لِمُرْدَخَايَ» (أس7: 10)، وتحقق مُرْدَخَاي من صدق كلمات الحكيم: «اَلصِّدِّيقُ يَنْجُو مِنَ الضِّيقِ، وَيَأْتِي الشِّرِّيرُ مَكَانَهُ» (أم11: 8).

وشَمْعِي بْنُ جِيرَا الْبِنْيَامِينِيُّ الذي كان من عائلة شاول، ظل يُضمر الحقد والمرارة لداود طيلة سني مُلكِهِ، وخرج لمقابلة الملك المُطارَد من ابنه أبشالوم، وبدأ في إهانة داود وقذفه بالشتائم واللعنات، ورَشَقه هو وعبيده بالحجارة «وَهَكَذَا كَانَ شَمْعِي يَقُولُ فِي سَبِّهِ: اخْرُجِ!  اخْرُجْ يَا رَجُلَ الدِّمَاءِ وَرَجُلَ بَلِيَّعَالَ!  قَدْ رَدَّ الرَّبُّ عَلَيْكَ كُلَّ دِمَاءِ بَيْتِ شَاوُلَ الَّذِي مَلَكْتَ عِوَضًا عَنْهُ، وَقَدْ دَفَعَ الرَّبُّ الْمَمْلَكَةَ لِيَدِ أَبْشَالُومَ ابْنِكَ، وَهَا أَنْتَ وَاقِعٌ بِشَرِّكَ لأَنَّكَ رَجُلُ دِمَاءٍ!» (2صم16: 5-14).  وكم هو حقير أن يلعن شَمْعِي داود وهو في مثل هذا الموقف هاربًا من تمرد ابنه أبشالوم، غير مراعيًا لظروفه، بل مُضيفًا حزنًا على حزنه «لأَنَّ الَّذِي ضَرَبْتَهُ أَنْتَ هُمْ طَرَدُوهُ، وَبِوَجَعِ الَّذِينَ جَرَحْتَهُمْ يَتَحَدَّثُونَ» (مز69: 26).

وبعد أن انتهت الفتنة ومات أبشالوم، تصرَّف داود كالمنتصر مع أولئك الذين لم يتبعوه، فعفا عن شَمْعِي بْنُ جِيرَا الذي سقط أمام المَلك، ملتمسًا الغفران منه، وقد حصل عليه، لا لأنه يستحقه، بل لأن الملك لم يكن في الحالة التي تسمح بتوقيع الدينونة التي يستحقها شَمْعِي، وأوكل هذه المهمة فيما بعد لسليمان (2صم19: 16-23؛ 1مل2: 8، 9، 36-46).

وعلى العكس من أَخْآبُ وهَامَان وشَمْعِي، كان داود، فلم يفرح بسقوط شاول عدوه، ولم يبتهج قلبه إذ مات.  إن القلب المليء بالمحبة لا مكان فيه للشماتة أو الحقد.  لقد نسى كل ما سبَّبه له شاول.  ولكن مجرد النسيان لا يكفي الرجل الذي حسب قلب الله؛ إنه يُحبّ أن يذكر أن شاول كان مسيح الرب، ويذكر المواهب الطبيعية التي جعلته محبوبًا في حياته، وجذبت إليه أنظار الشعب وعواطفهم، فيودعه باكيًا بِمَرْثَاة ”نَشِيدَ الْقَوْسِ“ الذي يفيض بعبارات الاحترام لذاك الذي كرهه واضطهده دائمًا، ولكنه ها هو بالنعمة يذرف عليه الدمع سخينًا.  لقد كانت فرصة لِبَنَاتُ الْغُلْفِ أن تفرحن وتشمتن، أما داود فلم يشاركهن هذا الفرح.

إننا نشتم في مرثاة داود لشاول رائحة المسيح الذَّكية، الذي علَّمنا بحياته وكلماته، ليس فقط ألا نفرح بسقوط عدونا، بل «أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ.  بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ.  أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، لِكَيْ تَكُونُوا (لكي تُبرهنوا أنكم فعلاً) أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ» (مت5: 44، 45).
نجاتى ناجى