أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - الفرح
السنة 2014
أساس الفرح
في إحدى المدن اشترى الأب بيتًا جديدًا ليجمع أبناءه معًا فيه، وقرَّر أن يشهد البيت أولى أفراحه، بعقد قران ابنه الأصغر.  وجاء اليوم المُحدَّد، وقُربَ انتهاء العُرس، سقط البيت على كل من فيه، ومات الجميع تحت الأنقاض.  وبعد التحقيقات أشار تقرير الخبراء بأن المنزل بُنيَ على أساس هش، وأن المقاول لم يكن أمينًا في نوعية الخامات التي استخدمها، وهكذا تحوَّلت الأفراح إلى أحزان؛ والسبب ضعف البناء وهشاشته.

البشر يبحثون عن الفرح، وما زال بحثهم جاريًا، وبعضهم وجد الأفراح ولكنهم بنوها على أسس واهية، سرعان ما تنهار؛ فتذهب أفراحهم أدراج الريح، وتحل الأحزان.  ولذا لزم أن يضع الله بنفسه أساسًا ثابتًا وأكيدًا للفرح، لا تزعزعه الأيام، ولا تبدده الظروف.

هناك أربعة أعمدة للفرح مرتبطة بشخص المسيح في ميلاده، وموته، وقيامته، وأخيرًا مجيئه الثاني:

أولاً: ميلاد المسيح

بعد سني الأحزان الطوال، صار للأرض نصيب في الأفراح نتيجة لميلاد المسيح.  ولعلنا لا نندهش أن نجد الفرح في عدة دوائر بالارتباط بتجسد المسيح، تبدأ بطفل يبتهج، وتمتد لتشمل كل البشر بمختلف ظروفهم وأعمارهم ونوعياتهم.

ففي البداية، نقرأ عن فرح المعمدان وهو ما زال جنينًا في بطن أمه «حِينَ صَارَ صَوْتُ سَلاَمِكِ فِي أُذُنَيَّ، ارْتَكَضَ الْجَنِينُ بِابْتِهَاجٍ فِي بَطْنِي» (لو1: 44).  ثم نقرأ عن الفرح الذي جاء ملاك الرب مبشِّرًا الرعاة به «هَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ» (لو2: 9، 10).  ثم اتَّسعَت الفرحة لتشمل كل الناس، كقول جمهور الجند السماوي الذي ظهر مع الملاك للرعاة: «الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ» (لو2: 13، 14).  وأخيرًا نقرأ عن فرح المجوس بعد فترة من ميلاد الرب، عندما وصلوا إلى أورشليم، وإذا بالنجم الذي رأوه قبلاً في بلادهم، يعاود الظهور لهم مرة أخرى «فلَمَّا رَأَوُا النَّجْمَ فَرِحُوا فَرَحًا عَظِيمًا جِدًّا» (مت2: 10).

ثانيًا: موت المسيح

يرتبط الفرح بموت المسيح على الصليب على الأقل في صورتين رمزيتين، ثم في سفر نبوي في العهد الجديد (سفر الرؤيا).
الصورة الأولى نجدها في هلاك فرعون وكل جنوده المركبية في البحر الأحمر.  وموت فرعون يذكِّرنا بما عمله المسيح مع الشيطان في الصليب «لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ» (عب2: 14).  ولذا لم يكن أمرًا غريبًا أن امتلأت قلوب الشعب بالفرح عندما رأوا المصريين أمواتًا على الشاطئ، وكان أبلغ تعبير عن هذا الفرح هو الترنيم «حِينَئِذٍ رَنَّمَ مُوسَى وَبَنُو اسْرَائِيلَ هَذِهِ التَّسْبِيحَةَ لِلرَّبِّ» (خر15: 1).

الصورة الثانية نراها في انتصار داود على جليات الذي ظل يُعيِّر شعب الرب لمدة 40 يومًا، ولكن داود ذهب وحاربه، وتمكَّن منه وقتله، «وَكَانَ عِنْدَ مَجِيئِهِمْ حِينَ رَجَعَ دَاوُدُ مِنْ قَتْلِ الْفِلِسْطِينِيِّ أَنَّ النِّسَاءَ خَرَجَتْ مِنْ جَمِيعِ مُدُنِ إِسْرَائِيلَ بِالْغِنَاءِ وَالرَّقْصِ لِلِقَاءِ شَاوُلَ الْمَلِكِ بِدُفُوفٍ وَبِفَرَحٍ وَبِمُثَلَّثَاتٍ» (1صم18: 6).

وأخيرًا نقرأ في سفر الرؤيا «وَلَمَّا أَخَذَ السِّفْرَ خَرَّتِ الأَرْبَعَةُ الْحَيَوَانَاتُ وَالأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخاً أَمَامَ الْحَمَلِ ... وَهُمْ يَتَرَنَّمُونَ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً قَائِلِينَ: مُسْتَحِقٌّ أَنْتَ أَنْ تَأْخُذَ السِّفْرَ وَتَفْتَحَ خُتُومَهُ، لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَاشْتَرَيْتَنَا لِلَّهِ بِدَمِكَ» (رؤ5: 8، 9).

ثالثًا: قيامة المسيح

يرتبط الفرح بقيامة المسيح ارتباطًا وثيقًا جدًا، فقبل الموت أشار الرب إلى هذه الحقيقة في حديثه مع التلاميذ في العلية، فرحيله عنهم كان سيسبب لهم الحزن الشديد، ولكن سرعان ما كان سيتحوَّل هذا الحزن لأفراح برؤيتهم للرب مرة ثانية بعد قيامته «اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ سَتَبْكُونَ وَتَنُوحُونَ وَالْعَالَمُ يَفْرَحُ (عندما يتركهم الرب ويمضي إلى الموت). أَنْتُمْ سَتَحْزَنُونَ، وَلَكِنَّ حُزْنَكُمْ يَتَحَوَّلُ إِلَى فَرَحٍ (نتيجة قيامته) ... سَأَرَاكُمْ أَيْضًا (بعد القيامة) فَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ، وَلاَ يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ» (يو16: 20، 22).

ولقد فرحت مريم المجدلية ومريم الأخرى التي صاحبتها عند ذهابهما إلى قبر الرب، عندما عَلِمَتَا بقيامته من الأموات «خَرَجَتَا سَرِيعاً مِنَ الْقَبْرِ بِخَوْفٍ وَفَرَحٍ عَظِيمٍ، رَاكِضَتَيْنِ لِتُخْبِرَا تَلاَمِيذَهُ» (مت28: 8).  وأيضًا يسجِّل يوحنا أن التلاميذ في العلية «فَرِحَ التّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوُا الرَّبَّ» (يو20: 20).  والشيء ذاته يسجله لوقا عن هذا اللقاء «وَبَيْنَمَا هُمْ غَيْرُ مُصَدِّقِين مِنَ الْفَرَحِ» (لو24: 41).  وبعد ذلك كان لقاء جبل الزيتون، حيث باركهم وأُصْعِدَ إلى السماء «فَسَجَدُوا لَهُ وَرَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ» (لو24: 52).

رابعًا: مجيء الرب الثاني

إن كان ميلاد الرب وموته وقيامته هي أُسس أكيدة للأفراح حدثت في الماضي، فإن مجيء الرب أساس آخر للأفراح، يرتبط بالمستقبل.  وما مِن مرة تذكَّر القديسون حقيقة مجيء الرب إلا وامتلأت قلوبهم بالتعزية والأفراح وامتلأت أفواههم بالتسبيح والترنيم، ولذا شجَّعنا بولس أن نكون «فرحين فِي الرَّجَاءِ» (رو12: 12).

صديقي العزيز:

وُلد المسيح فأعلنت السماء الفرح الذي صار من نصيب الأرض، فهل قبلت المسيح في قلبك ليكون على أرضك المسرة؟ 

ثم مات المسيح فحمل الخطايا ودفع ثمنها، فهل قبلته كمخلِّصك الشخصي؟ 

ثم قام المسيح فكانت قيامته دليل إكمال العمل، فهل سَعِدتَ بهذا؟

وأخيرًا سيأتي المسيح ثانية، فهل سيكون مجيئه سبب هلاك لك، حيث يُغلق الباب أمامك للأبد، أم سيكون بداية لأفراح السماء التي لن تنتهي؟
إسحق شحاته