أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - الفرح
السنة 2014
فرحة ما تمت (لو12: 16-20)
كان الرب يسوع يعرف تمامًا أن القلب البشري في عطش دائم للفرح، وأن الإنسان يسلك طُرقًا خاطئة بحثًا عن السعادة.  وفي واحد من أحاديثه ضرب مثلاً لسامعيه، مَثَل ”الغني الغبي“، موضِّحًا لهم أكثر الطُرق الخاطئة شيوعًا في البحث عن الفرح.  وفي هذا المثل نجد دروسًا ما أروعها، تكشف لنا تعاسة الإنسان البعيد عن الله، وافتقاده للفرح الحقيقي.

سر الحزن الدفين

بدأ المسيح هذا المثل بأن صاحب هذه القصة هو «إِنْسَانٌ غَنِيٌّ»، يمتلك كل سبُل الراحة والرفاهية ومسببات الفرح، بحسب النظرة البشرية.  ثم يقول إن هذا الغني «أَخْصَبَتْ كُورَتُهُ»؛ إذًا هو أيضًا اختبر في ذلك الوقت النجاح في العمل بشكل خاص.  
تُرى ما الذي نتوقَّعه من شخص غني أخصبت كورته، وفاضت أراضيه بخيرات جزيلة؟ 

كنا نتوقع أن يفعل كما قال الكتاب: «تَفْرَحُ بِجَمِيعِ الْخَيْرِ الَّذِي أَعْطَاهُ الرَّبُّ إِلهُكَ لَكَ وَلِبَيْتِكَ» (تث26: 11)، وأن يرفع عينيه نحو السماء مقدِّمًا الشكر والسجود للإله العظيم الذي أعطاه هذا الخير، أو على الأقل يفكر في الإله المتسلط على كل شيء، كما صلي داود يومًا: «الْغِنَى وَالْكَرَامَةُ مِنْ لَدُنْكَ، وَأَنْتَ تَتَسَلَّطُ عَلَى الْجَمِيعِ، وَبِيَدِكَ الْقُوَّةُ وَالْجَبَرُوتُ، وَبِيَدِكَ تَعْظِيمُ وَتَشْدِيدُ الْجَمِيعِ» (1أخ29: 12). 

لكن، للأسف الشديد، فإن أول ما فكَّر فيه ذلك الغني هو نفسه، وبدلاً من أن يرفع عينيه للسماء، انحنى أكثر منشغلاً بذاته وبأرضه وما يملكه.  هذا ما نستنتجه من خلال الكلمات التي نطَق بها بعد ذلك، متحدِّثًا إلى نفسه بياء الملكية «لأَنْ لَيْسَ لِي مَوْضِعٌ أَجْمَعُ فِيهِ أَثْمَارِي؟ ... أَعْمَلُ هذَا: أَهْدِمُ مَخَازِنِي وَأَبْنِي أَعْظَمَ، وَأَجْمَعُ هُنَاكَ جَمِيعَ غَّلاَتِي وَخَيْرَاتِي، وَأَقُولُ لِنَفْسِي: يَا نَفْسُ لَكِ خَيْرَاتٌ كَثِيرَةٌ، مَوْضُوعَةٌ لِسِنِينَ كَثِيرَةٍ. اِسْتَرِيحِي وَكُلِي وَاشْرَبِي وَافْرَحِي!».  هو لا يرى أحدًا إلا نفسه، ولا ينسب النجاح إلا لذاته، ولا يتكل إلا على إمكانياته.  هو من يجمع، وهو من بيده الفرح والراحة والغذاء والشراب.  أين إلهك من كل هذا؟  للأسف غير موجود بحساباته على الإطلاق. 

وهذا هو حال الكثيرين في هذه الأيام، أغنياء كانوا أم فقراء. الكل يبحث عن ذاته، وعن إشباع نفسه.  الكل مشغول بما يمتلكه وما ينقصه وما يحتاجه.  ووصل الحال بالبعض أنهم ينادون بعدم وجود الله، والبعض الآخر ينادون بأنه موجود لكنه لا يتدخل في شئوننا، ولا يعرف عنا شيئًا.  إنما الإنسان هو المسؤول عن كل شيء في حياته، هو ذات الأسلوب والتفكير الذي جعل ذلك الغني يستغني عن الله، ولا يفكِّر فيه.  وهذا الأمر هو أحد الأسباب الرئيسية لحالة الحزن والأسى البادية على الوجوه، وتغمر القلوب في هذه الأيام.

درس العمر، وخبرة السنين

من الأمور التي تدعو للدهشة في هذا المثل، أن ذلك الرجل كان غنيًا، لكنه لم يتمتع بهذا الغنى، ولم يفرح بما وصل إليه.  ومع كل هذا ما زال يتوقع أنه سيفرح إذا زاد غناه!! 

ألم يتعلم من ماضيه أن الغِنى لا يُفرح القلب؟  ألم يعرف بعد أن السعادة ليست في الأموال والمخازن والأراضي والممتلكات؟  
من المفترض أنه تعلَّم الدرس من خبرة السنين، وأدرك صحة المكتوب: «إِنْ زَادَ الْغِنَى فَلاَ تَضَعُوا عَلَيْهِ قَلْبًا» (مز62: 10)، «لأَنَّ الْغِنَى لَيْسَ بِدَائِمٍ» (أم27: 24).  لكنه بغباء شديد كان يدور في الدائرة ذاتها، ويتوقع نتيجة أخرى!! 

والحياة تعلِّمنا أن الغِنى كثيرًا ما كان سببًا في تعاسة الكثيرين، وأحد المعوقات الرئيسية للفرح، كما هو الحال في قصة الشاب الغني الذي «مَضَى حَزِينًا، لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَالٍ كَثِيرَةٍ» (مت19: 22).
كان بطل قصتنا غنيًا ولم يفرح، فاعتقد أنه لو أصبح أكثر غنى سيفرح!!  ويا له من مسكين!

الكنز الحقيقي الثمين

أخذ ذلك الغني يخطِّط لنفسه، ويرسم أحلامًا وأوهامًا، سرعان ما تبخَّرت مع كلمات الله: «يَا غَبِيُّ!  هذِهِ اللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ، فَهذِهِ الَّتِي أَعْدَدْتَهَا لِمَنْ تَكُونُ؟». 

هو في نظر نفسه غنيٌّ تعيسٌ وحزينٌ، وفي نظر الناس ربما هو غنيٌّ سعيدٌ مستمتعٌ.  لكنه في نظر الله غبي لأنه لم يتعلَّم الدرس، ولأنه لم يضع الله في حساباته، كما أنه لم يحسب للموت حسابًا.  هو ماهر جدًا في حسابات التجارة والعمل، جاهل بحسابات الأبدية.  متفوق على أقرانه في حساب المكسب والخسارة، لكنه فاشل في حساب خسارته الأبدية.

للأسف تكلَّم ذلك الغني عن فرحة لم تتم، وعن راحة لم يذق طعمها، وعن شبع لم يتمتع به رغم كل ما لديه من غنى وأموال.  
وعلى النقيض نجد رجال الله الأتقياء الذين عرفوا سر الفرح الحقيقي يملأون صفحات الوحي تسبيحًا وأفراحًا، وينشدون بأعذب الكلمات وأروع التسبيحات، التي تؤكد فرحتهم بالرغم من كل ظروفهم ومعاناتهم.  فعلى العكس تمامًا من هذا الغني نجد حبقوق يفرح بالرغم من فقدان الممتلكات «فَمَعَ أَنَّهُ لاَ يُزْهِرُ التِّينُ، وَلاَ يَكُونُ حَمْلٌ فِي الْكُرُومِ.  يَكْذِبُ عَمَلُ الزَّيْتُونَةِ، وَالْحُقُولُ لاَ تَصْنَعُ طَعَامًا.  يَنْقَطِعُ الْغَنَمُ مِنَ الْحَظِيرَةِ، وَلاَ بَقَرَ فِي الْمَذَاوِدِ، فَإِنِّي أَبْتَهِجُ بِالرَّبِّ وَأَفْرَحُ بِإِلهِ خَلاَصِي» (حب3: 17).

باسم شكرى